استطاعت منظمة الأمم المتحدة تحقيق نجاحاً ملموساً فى مصر من خلال تفعيل اتفاقية Un global compact للمسئولية الاجتماعية للشركات وقد كنت أحد مديرى برنامج المسئولية المجتمعية للشركات العشرين الموقعة فى2007 واليوم وصل العدد إلى 90 شركة ولكن مازال هناك تحديات.
حسب تقرير صندوق النقد الدولى يمثل القطاع الخاص أكثر من 60% من الناتج المحلى لمعظم الدول وهو عَصّب التنمية وهناك شركات عالمية تخطت ميزانياتها اقتصاديات دول وقد أشرنا فى مقال سابق للشركات متعددة الجنسيات وعددها 147 شركة هى التى تحدد سياسات النظام العالمى والتحكم فى العالم وفى مصر يوفر القطاع الخاص 70% من فرص العمل، ولكن هناك معوقات نحو هيكلة القطاع الخاص المصرى من خلال حالة عدم الاستقرار الذى نجم عن مرور مصر بثورتين منذ 2011 وأثبت الاقتصاد غير الرسمى الضخم، أنه الكيان القادر على إدارة اقتصاد الدولة وقت انهيار مؤسسات الدولة، لذا فقد تضخم وتوغل اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً ويقال إنه تخطى حاجز 70% (نشاطات مشروعة وغير مشروعة) من الناتج المحلى، ولكنه فى ذات الوقت عاجز عن التعاطى مع الاقتصاد العالمى بسبب اختلاف جذرى فى الآليات ورغم أنه دفع عجلة الابتكار هى مسئولية القطاع الخاص وهو الأربع فيها ولكن الاقتصاد غير الرسمى غير قادر على الابتكار والإبداع والتطوير بما يجعل مصر غير مؤهلة لجذب استثمار أجنبى الذى يعتمد بالدرجة الأولى على الشريك المحلى ويعتبره المرشد والمعيار وبالتالى تتأثر التنمية سلباً.
اقتصاد غير رسمى يعنى صناعة استهلاكية للسوق المحلى وسياحة عشوائية لا ترقى للمنافسة سوى فى مخاطبة السائح الفقير واستثمار عقارى غير قائم على أصول علمية ويتوسع فى العشوائيات ليقوض جهود الدولة فى ذات المجال وإن كانت مشروعات بشاير الخير والأسمرات خطوات مهمة، ولكن فوضى السوق تهاجمها.
بالطبع أثرت التغيرات السياسية على المسئولية الاجتماعية، حيث احترف تنظيم الأخوان المسلمين بشركاته هذا العمل من خلال أذرعه الجمعيات الخيرية لاقتناص الفرصة نحو الحكم وإقامة دولة دينية والقضاء على فرص التحول الديمقراطى، ولكن بعد ثورة 30 يونيو تم تحجيم نشاط الجماعة بكل أشكاله بما سبب فجوة حتى الآن ولكن ما يجب الإشارة له أن الجماعة كانت تُمارس دورها المجتمعى فى شكل معونات مادية مشروطة مقابل مكاسب انتخابية ولم تُمارس التنمية المجتمعية، كما عرفتها منظمة الأمم المتحدة والمعايير الدولية.
يرتبط فكر الاقتصاد الغير رسمى بمبدأ Shock economy أى أنه لا يستهدف الاستمرارية فى أى نشاط اقتصادى (للهروب من الضرائب والرقابة) بقدر تحقيق أعلى نسب ربحية ثم الانتقال لمجال آخر وبالتالى فتقل نسب الشركات المنضبطة أو بورصة قوية أو صناعات مستقرة لذا فإن آليات الاقتصاد غير الرسمى خطيرة تحد من الاستقرار الاقتصادى ولا تراه هدفاً لنمو الاستثمارات وإنما عدم الاستقرار ميزة لهم وبيئة مثالية وبالتالى فلا تهدف لتطبيق المسئولية الاجتماعية التى توفر مناخاً اجتماعياً مستقراً للاستثمار على المدى البعيد وهنا يكمن التحدى الأكبر لتفعيل فكر المسئولية الاجتماعية.
إن مبررات الاقتصاد غير الرسمى تكمن فى فوبيا التأميم منذ عهد عبدالناصر ومظاهر اشتراكية الدولة، خاصة أن الحكومة اليوم لم تعلن عن توجه ليبرالى متكامل فى برنامجها أيضاً لا يوجد محفزات ضريبية مع وجود نظام ضريبى جزافى ينتهج بيروقراطية صماء.
ويعتبر الاقتصاد غير الرسمى أكثر تطرفاً وشهوة نحو المكاسب السريعة على حساب المجتمع، وقد أكد امارتيا صن الحائز على جائزة نوبل عن تجربة الهند التنموية، أن التطرف فى تطبيق آليات السوق الحر بدون رقابة له أبعاد اجتماعية نحو عدالة توزيع الفرص اجتماعياً التى يجب تداركها نحو الطبقات الدنيا التى تمثل عَصّب التنمية ولنأخذ مثال القضاء على فيروس سى والذى تبرعت به شركات وطنية له اثر فى توفير مناخ جاذب لاستثمار أجنبى فى بيئة صحية بما يحقق المصالح المشتركة لفئات المجتمع بهدف تنمية اقتصادية مستدامة.
خطورة الاقتصاد غير الرسمى ليست فى التهرب الضريبى فقط وإنما استغلاله لآليات السوق الحر ضد الطبقة محدودة الدخل إلى جانب غموض حجمه ونشاطه ليقوض أى دراسات مستقبلية للإصلاح الاقتصادى، ولعله كان المستفيد الأول من تجارة العملة أثناء تحرير سعر الصرف وتضخم حجمه بل وساهم فى تضخم سعر الدولار جزافاً.. أخيراً اكتمل ثالوت الاقتصاد غير الرسمى بدءاً من الأثر الاقتصادى الضار إلى الاجتماعى المدمر وأخيراً إلى المجال السياسى ليتحقق من خلال استغلال المال السياسى فى الانتخابات ويحطم آمال الطبقة المتوسطة والشباب فى التمكين بأشكاله اقتصادى أو سياسى أو اجتماعى بما يشكل خطراً على مستقبل بنيان الدولة.
إن الابتكار والإبداع وجذب الاستثمار الأجنبى هو مسئولية القطاع الخاص المنضبط وليس دور الحكومات فى ظل العولمة الاقتصادية لذا فإن تفعيل التغيير فى ثقافة رؤوس الأموال نحو المسئولية الاجتماعية معيار ومؤشر عالمى تحتكم له الشركات المتعددة الجنسيات ويجب أن يمر من خلال تحجيم قوة الاقتصاد غير الرسمى فى كل مناحى توغله اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً وإصدار تشريعات مشجعة وحوافز نحو المسئولية الاجتماعية وعقوبات رادعة إلى جانب حوافز قوية بنظام ضريبى جاذب نحو الاندماج فى الاقتصاد الرسمى للسيطرة والنهوض بالاقتصاد المصرى لتحقيق نسب التنمية المستهدفة.
نائب رئيس مجلس إدارة شركه قصر السلام للاستثمار العقارى
إيهاب زكريا