حديث الساعة فى مصر منذ تعويم الجنيه هو «سعر الفائدة»، فكم بلغت نسبتها؟ ومدى تأثيرها على الإنتاج؟ لتتعاقب التصريحات أن زيادة معدلاتها من شأنه الإضرار بالصناعة المحلية، معللين أن زيادة أسعار الفائدة بالبنوك ستؤدى إلى العزوف عن الاستثمار وهو الأمر الذى سيؤثر بالسلب على الوضع الاقتصادى برمته فى مصر.
وتناسى من ينقض رفع أسعار الفائدة آنذاك، أن هذا الإجراء هو توجه طبيعى للبنك المركزى بهدف السيطرة على ارتفاع معدلات التضخم، كما تناسى المعارضون مبادرات البنك المركزى التى من شأنها خفض أسعار الفائدة والتى وصلت إلى نسب 5%، وذلك بهدف مساندة الصناعة المحلية بجميع أحجامها بدءاً من المشروعات الصغيرة والمتوسطة وحتى كبيرة الحجم، وباختلاف آجالها الزمنية سواء المشروعات قصيرة الأجل والمتوسطة وحتى طويلة الأجل.
فالسياسة النقدية هى مجموعة الأدوات النقدية التى يستخدمها البنك المركزى للتأثير على النشاط الاقتصادى عن طريق تغيير عرض النقود، ومن أهم أدواتها أسعار الفائدة بالبنوك، والتى يستخدمها للتأثير على النشاط الاقتصادى بهدف استقرار أسعار العملة الوطنية، والأسعار، وزيادة النمو الاقتصادي.
ومن المتعارف عليه، أنه مع ارتفاع حدة الموجات التضخمة، والتى يكون أحد أسبابها زيادة الطلب على السلع والخدمات عن الكميات المعروضة منها، يتبع البنك المركزى سياسات انكماشية، والتى أهم أدواتها هو رفع أسعار الفائدة، بهدف تخفيض حجم القروض الممنوحة، وهو الأمر الذى يؤدى إلى تخفيض عرض النقود فى السوق، وبالتالى تنخفض السيولة لدى الأفراد ولدى الحكومة، مما يؤدى إلى تخفيض الطلب الكلى ومستوى الدخل النقدى، وتبدأ معدلات التضخم فى الانخفاض.
ومع الانخفاض التدريجى لمعدلات التضخم، وارتفاع معدلات النمو وتحسن الوضع الاقتصادي، يبدأ البنك المركزى فى تعديل سياسته الانكماشية، ليتجه تدريجياً إلى السياسات التوسعية، والتى من خلالها يتبع البنك المركزى سياسات مضادة لما تم اتباعه فى حالة السياسات الانكماشية.
ويبدأ فى الخفض التدريجى لأسعار الفائدة، وهو الإجراء الذى سيساعد البنوك على منح مزيد من القروض، وهو الأمر الذى سيؤدى إلى زيادة عرض النقود، كنتيجة طبيعية لزيادة السيولة مع الأفراد ولدى الحكومة، مما يؤدى إلى زيادة الطلب الكلى.
لكن ماذا عن العرض الكلي؟
فمن المتوقع أنه بانخفاض نسبة الفائدة البنكية تفضيل الأفراد التوجهات الاستثمارية، ومن ثم سيقل الإيداع بالبنوك، كما أنه من المتوقع مع زيادة حجم الاستثمارات، سيرتفع حجم الإنتاج المحلي، وتزامناً مع ارتفاع نسب السيولة مع الأفراد، فمن المتوقع زيادة إقبال الأفراد على السلع والخدمات.
فاذا كان العرض المتمثل فى الإنتاج المحلي؛ أكثر من الطلب على السلع والخدمات، فمن المتوقع انخفاض الأسعار ومن ثم انخفاض أكثر لمعدلات التضخم.
إما إذا كان الطلب على السلع والخدمات أعلى من العرض المتمثل فى الإنتاج المحلي؛ فمن المتوقع ارتفاع أكثر فى الأسعار ومن ثم زيادة معدلات التضخم. لذا تصبح النقطة المهمة هنا فى التأثير على معدلات التضخم والأسعار المستقبلية للسلع هى الإنتاج المحلى الممثل لجانب العرض، مقارنة بالطلب عليها.
لذا يجب علينا الاهتمام بزيادة جانب العرض المتمثل فى حدوث طفرة فى الإنتاج المحلي، وذلك بالعمل على محورين وهما الاستجابة لاحتياجات السوق وتوفير مدخلات الإنتاج اللازمة بأسعار مخفضة، والتوسع التصديرى لتلك المنتجات محلية الصنع.
فالمشكلة الاقتصادية فى مصر لا يمكن أن تقع على عاتق السياسات النقدية للبنك المركزى وحده، وإنما يتحمل مسئوليتها كل من متخذى قرارات السياسات المالية بالتعاون مع رجال الأعمال، فإذا لم يحدث هذا التضافر فى الجهود، فسنواجه بموجات تضخمية أكثر عنفاً.
د/ شيماء سراج عمارة
[email protected]