
بعد شد وجذب بين مؤيد ومعارض، قال القانون كلمته فى شأن الدعوى التى أقامها سائقو سيارات الأجرة التقليدية ليحسم النزاع مع شركتى النقل «أوبر وكريم»، ومن ثم، وافقت لجنة النقل والمواصلات بمجلس النواب على مشروع قانون تنظيم النقل الجماعى للركاب باستخدام تكنولوجيا المعلومات، والذى يقنن أوضاع شركتى «أوبر وكريم» وبعض الشركات المماثلة التى تقدم نفس الخدمة فى إطار منظومة النقل التشاركى.
فما هى قصة النقل التشاركى؟ وكيف نشأ هذا النزاع القانونى مع سائق سيارات الأجرة التقليدية؟ وهل يقدم مشروع القانون المشار إليه حل ينظم عمل الشركات العاملة فى هذا المجال؟
النقل التشاركى هو أحد تطبيقات الاقتصاد التشاركى، وهو نظام اجتماعى اقتصاديّ يقوم على مشاركة الموارد والأصول البشرية والمادية بين الأفراد والمؤسسات الخاصة والعامة. يعتمد هذا النظام على أن أى خدمة تجارية تقوم على مبدأ مشاركة الأفراد أو المؤسسات للأصول التى تمتلكها، بحيث يقدم الأفراد أو المؤسسات أصحاب هذه الأصول خدمات مقابل أجر.
وبذلك يحقق فوائد تتمثل فى توفير المال وترشيد استهلاك الموارد وتشجيع الأفراد على التواصل، ومن بين الأعمال التى تقوم وفقاً لنظام الاقتصاد التشاركى الخدمات التى تقدمها شركتى «أوبر وكريم لمشاركة النقل، حيث يعتمدان على أفراد عاديين لديهم سيارات قرروا استخدامها لتوصيل الأشخاص من مكان لآخر مقابل أجر.
“أوبر” هى شركة أمريكية أسسها فى عام 2009، ترافيس كالنيك وغاريت كامب بفكرة بسيطة مفادها استخدام تطبيقات الهواتف الذكية لطلب السيارات الخاصة المتميزة لخدمات التوصيل، وتعمل فى أكثر من 700 مدينة حول العالم، أما “كريم” فهى شركة إماراتية يقع مقرها فى مدينة دبى تأسست فى عام 2012 وتعمل فى نحو 50 مدينة فى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
وكلتا الشركتين لديهما أحجام استثمارات تجاوزت مليارات الدولارات بالرغم من أنهما لا تملكان أى منتجات سوى تطبيق ذكى فقط، ليصبحا وسيطاً بين الراكب وصاحب السيارة.
وتجدر الإشارة إلى أن شركات النقل التشاركى تعمل فى عدة دول عربية مثل السعودية والامارات والأردن وتلاقى خدماتها استحسان كبير من مستخدمى الخدمة، فهذه الشركات تقدم تفكير تقدمى يحقق منافع اقتصادية وإيجاد فرص عمل للعاطلين أو الراغبين فى تحسين مستوى معيشتهم.
وفى هذا السياق، صرح أحد المسئولين فى شركة “أوبر” أن مصر هى أكبر سوق لها فى الشرق الأوسط، حيث تم الاستعانة بعدد يقرب من 157 ألف سائق فى عام 2017.
إلا أن شركتى “أوبر وكريم” واجهتا معارضة قوية من جانب سائقى سيارات الأجرة التقليدية فى مصر ودول أخرى، فعلى سبيل المثال، فى أبريل 2013، قدم بعض سائقى سيارة الأجرة فى أوتاوا مرافعةً أمام عمدة المدينة لعدم إعطاء “أوبر” الحقّ القانونى بالعمل استناداً إلى مبدأ المنافسة غير العادلة.
أما فى مصر، فقد أثار عمل شركتى “أوبر وكريم” موجة غضب سائقى التاكسى الأبيض، وقاموا بعمل احتجاجات وطلبوا تدخل الحكومة المصرية بحجة أن عمل هذه الشركات مخالف للقانون.
وفى أبريل 2017، أقام 42 من سائق التاكسى الأبيض دعوة ضد شركتى “أوبر وكريم” ومثيلاتها لنشاطات تشغيل السيارات مع وقف التطبيق الذكى أو البرامج التى يستخدمونها مستندة إلى مخالفة قانون المرور الذى يَنص على عدم جواز استخدام السيارة فى غير الغرض المرخصة لها، وكذلك الإضرار بمصالح أصحاب سيارات الأجرة.
ثم صدر مؤخراً حكم من محكمة القضاء الإدارى ألزمت كلاً من رئيس مجلس الوزراء، ووزراء المالية، والداخلية، والنقل والاتصالات، بوقف نشاط الشركتين فى مصر.
وأحالت المحكمة الدعوى لهيئة المفوضين بالمحكمة لدراسة القضية وإصدار تقرير بشأنها، ومن ثم نظر موضوع الدعوى أمام ذات المحكمة. وعلى الرغم من أن قرار المحكمة واجب النفاذ على الفور، ولكن يحق للحكومة أو أى من الشركتين الطعن عليه أمام المحكمة الإدارية العليا خلال 60 يوماً.
وفى استجابة سريعة لتقنين وضع شركتى “أوبر وكريم” والشركات المماثلة، وافقت لجنة النقل والمواصلات بمجلس النواب على مشروع قانون تنظيم النقل الجماعى للركاب باستخدام تكنولوجيا المعلومات، وإحالته للجلسة العامة بالمجلس.
تضمن مشروع القانون شروط وإجراءات وضوابط التعريفة اللازمة للترخيص للشركات.
أبرز ملامح مشروع القانون تشمل تحديد رسوم إصدار تصريح التشغيل لسيارات “أوبر وكريم” بمبلغ 2000 جنيه سنوياً، وإصدار تراخيص التشغيل للشركات لمدة 5 سنوات قابلة للتجديد، وتحديد عدد تراخيص التشغيل، وفئات رسوم الترخيص فى ضوء عدد المركبات العاملة مع الشركة، وفرض ضرائب على السيارات المصرح لها والرسوم المقررة على سيارات الأجرة والمحددة بقانون المرور، مع أداء ضريبة ورسم إضافيين بنسبة 25% من قيمة الضرائب والرسوم المشار إليها.
كما نص مشروع القانون على سلطة وزارة الداخلية فى تحديد شكل ولون ومكان العلامة الإيضاحية وجهة طباعتها، أو إعدادها وقيمة التأمين الخاصة بها، وإلزام السيارات المصرح لها بأداء الخدمة بوضع العلامة الإيضاحية طوال فترة التشغيل.
أما من الناحية الأمنية، فقد نص مشروع القانون على إلزام الشركات المرخص لها بإجراء الربط الإلكترونى لقواعد البيانات والمعلومات الخاصة بها مع الجهات المختصة، وبحماية قواعد البيانات والمعلومات طبقاً للتعليمات والضوابط التى يصدر بها قرار من وزير الاتصالات وفقاً لمقتضيات الأمن القومى، بالإضافة إلى التزام الشركات بأن تكون الخوادم الخاصة بقواعد البيانات والمعلومات داخل حدود مصر.
وفى النهاية، أعتقد أن تقنين أوضاع شركتى “أوبر وكريم” وغيرها من الشركات التى تقدم خدمات مماثلة، هو حل جيد يجب الإسراع فى تطبيقه، فبلا شك تقنين الأوضاع سوف يعود بالفائدة على الاقتصاد وينظم خدمة نقل مريحة وآمنة، ويحقق النافسة العادلة مع سيارات الأجرة التقليدية مما يدفعها إلى تحسين مستوى خدماتها.