شهدت مصر خلال السنوات القليلة الماضية تطوّرات اقتصادية أقل ما توصف بأنها جريئة وغير مسبوقة، أسهمت إلى حد بعيد بإعادة إحياء القوة الاقتصادية لأكبر دول المنطقة من حيث التعداد السكانى، فبالإضافة لتخفيض قيمة العملة، قامت الحكومة بتنفيذ سلسلة من الإصلاحات الضرورية لضمان استقرار اقتصادها وتحفيز النمو وخلق فرص عمل جديدة، كما ساهم القرض المُقدّم من صندوق النقد الدولى والذى تبلغ قيمته 12 مليار دولار بتأمين البيئة المناسبة للقيام بهذه التغييرات الهيكلية الواسعة.
يكاد لا يختلف اثنان حول النتائج اللافتة التى حققتها حزمة الإصلاحات فى مصر. فبعد عامين من اعتماد سياسات التدعيم المالي، تراجعت معدلات التضخّم لتبلغ 14.4% بعد أن وصلت ذروتها عند مستوى 33% الصيف الماضي، وانتعش احتياطى النقد الأجنبى – الذى تم استنزافه فى السابق – مُسجّلاً مستويات قياسية بلغت 42.5 مليار دولار مقارنة بـ 26.5 مليار دولار العام الماضي.
كما كان متوقعاً، استجابت أسواق المال المصرية للتطوّرات الجديدة بصورة إيجابية. فمنذ تعويم الجنيه المصرى فى ديسمبر 2016، ارتفع EGX30، المؤشر الرئيسى للبورصة المصرية، بنحو 80%، وتراجعت فى المقابل تكلفة تأمين الديون المصرية على التخلف عن السداد لتُسجّل 256 نقطة أساس، مقارنة مع 475 نقطة أساس خلال نفس الفترة، كما أصبحت الارتفاعات المسجلة فى سوق الأسهم قائمة على نطاق أوسع ولم تعد مقتصرة على أداء بعض الشركات الكبرى، كما قفز مؤشر EGX70 بنسبة كبيرة بلغت 140% خلال نفس الفترة.
من دون أدنى شك، إن حزمة الإصلاحات الطموحة التى تعتمدها مصر هى خطوة مُرحّب بها على جميع الأصعدة، حيث تلعب دوراً محورياً فى معالجة الكثير من النواحى التى تعانى من نقص فى الكفاءة الاقتصادية، وبينما لايزال أمامنا الكثير من العمل، فإن من الأجدر أن يُترجم هذا التحسّن إلى مزيد من الفرص أمام المستثمرين فى سوق الأسهم، من وجهة نظرنا، تعتبر مصر من أهم وأقوى أسواق النمو فى منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا.
فغياب أو محدودية الاستثمار لسنوات، إلى جانب الازدياد المستمر فى التعداد السكاني، كان لهما أثراً فى زيادة الطلب على السلع والخدمات الأساسية. ونعتقد أن هناك فرصاً أمام قطاعات التصنيع والرعاية الصحية والسلع الاستهلاكية لتحقق مكاسب فى الأشهر القادمة، خاصة فى ظل الزخم اللافت الذى تشهده الأنشطة الاقتصادية على كافة المستويات.
وهناك عامل رئيسى آخر يدعم وجهة نظرنا حول الأسهم المصرية، ألا وهو تحسّن معدل الفائدة فى البلاد، ففى شهر مارس الماضي، خفّض البنك المركزى المصرى سعر الفائدة على الودائع بمقدار 100 نقطة أساس أخرى ليصل إلى 16.7%، وهو ثانى تخفيض لسعر الفائدة منذ تعويم الجنيه. وكان البنك المركزى قد اعتمد فى السابق على سياسة نقدية صارمة لكبح التضخّم وضمان استقرار الجنيه المصرى، وباعتقادى سنشهد خلال الفترة القادمة تخفيفاً فى القيود الموضوعة على السياسات النقدية، وأتوقع تخفيضاً آخر فى سعر الفائدة بمقدار 200 نقطة أساس خلال الأشهر الـ 12 المقبلة.
من الواضح أن شهية المستثمرين للمخاطر المصرية قوية وأن احتمالية انخفاض أسعار الفائدة، التى تدعم عادة مستويات تقييم أعلى للسوق، ستوفّر ركيزة داعمة لنمو واستمرارية سوق الأسهم المحلية، أضف إلى ذلك وجود عملة محليّة مستقرة، يمكن القول بأنها تُقدّر بأقل من قيمتها الحقيقية، فضلاً عن أن التوقعات إيجابية ومشجعة حول سوق الأسهم المصرية.
هناك إجماع بين المستثمرين بأن المستقبل واعد، فالاقتصاد المصرى فى طريقه إلى التقدّم والتحسّن. فبحسب صندوق النقط الدولي، من المنتظر أن يحقق الناتج المحلى الإجمالى نمواً بنسبة 4.8% فى عام 2018، مقابل 4.2% العام الماضي.
وإذا حافظت مصر على التزامها بإصلاحات اقتصادية جادة ودائمة، فإن نمواً بنسبة 6-7% خلال السنوات الثلاث القادمة – بحسب رأينا – أمر فى متناول اليد، ولا ننسى أن إنتاج الغاز الجديد وانتعاش عائدات السياحة ستسهم فى خفض العجز فى الحساب الجارى للحكومة بنحو 4.5% من الناتج المحلى الإجمالى هذا العام، من حوالى 6% فى عام 2017، بحسب الأرقام الواردة من صندوق النقد الدولي.
وفى وقت نرى فيه الكثير من المعطيات الإيجابية والمُشجّعة فى القطاع الاستثمارى فى مصر، لايزال هناك بعض المخاطر التى يجب أخذها فى عين الاعتبار.
فقد تؤدى حزمة إصلاح أسعار الطاقة التى تعتزم الحكومة تطبيقها فى وقت لاحق من العام الجارى إلى وضع مزيد من الضعوط على معدّلات التضخم، وهذا بدوره قد يحدّ من أثر هذه التغيّرات، ولاتزال النواحى الأمنية فى مصر مصدر قلق، لاسيما فى منطقة سيناء، ما قد يعيق من تعافى وانتعاش قطاع السياحة الحيوى والمهم فى مصر.
بغض النظر عن المخاطر، فالعنوان العريض أن مصر تُرحّب بالاستثمارات وتفتح أبوابها أمام رؤوس الأموال، لكن فى حال أرادت الاستفادة من كامل إمكاناتها ومقداراتها، فمن المهم تغيير العقلية السائدة واعتماد إصلاحات هيكلية جادة على المدى البعيد بدلاً من التركيز فقط على آليات الانتعاش المؤقت. مصر تتمتع بسواعد شابة وقوة ديموغرافية هائلة، فضلاً عن موقع جغرافى استراتيجى يجعلها جسراً بين أسواق التصدير الكبرى فى كل من أوروبا وأفريقيا، والاستفادة من هذه الفرصة سيضمن حتماً استغلال جميع الإمكانات والوصول بمصر إلى المكانة التى تستحقها على خارطة الاقتصاد العالمي.
رئيس استثمارات الأسهم فى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لدى فرانكلين تمبلتون للاستثمار.