فى ستينيات القرن الماضى، أممت حكومة عبدالناصر العديد من شركات القطاع الخاص وكانت ضربة قاضية للقطاع الخاص. ثم جاء السادات بالانفتاح الاقتصادى عام 1974 وعادت من جديد شركات القطاع الخاص وتألقت فى تطوير القطاعات المختلفة. ثم استشهد السادات وجاء حسنى مبارك وكانت ديون مصر الخارجية 31 مليار دولار وبدأ فى العديد من مشاريع البنية التحتية فى ثمانينيات القرن الماضى (مثل الطرق، الصرف الصحى، مترو الأنفاق، توصيل مياه الشرب لقرى مصر..إلخ) وازدادت ديون مصر إلى أن وصلت إلى 47 مليار دولار عام 1989 وازداد الضغط على الدولار (كانت الواردات أكثر بكثير من الصادرات) وبالتالى أصبحت مصر فى موقف صعب فى قدرتها على تسديد الديون الخارجية إلى أن جاء البنك الدولى بالروشتة وهى ضرورة بيع أصول القطاع العام وضرورة وضع ضريبة 10% تسمى ضريبة المبيعات ووضع حوافز لتشجيع الصناعة (مثل الإعفاء التام من ضريبة الأرباح) وتخفيض الجنيه أمام الدولار من 70 قرشاً إلى 140 قرشاً عام 1991 وإلى 3.30 جنيه عام 1993 وساعدنا، أيضاً، دخول مصر فى حرب الخليج لتحرير الكويت وأسقطت أمريكا وبعض الدول الأوروبية بعض الديون التى لها عند مصر. وخرجت مصر من الأزمة وعرف حسنى مبارك وقتها إنه إذا اضطر للاقتراض فلن يقترض بالدولار ولكنه سيقترض بالجنيه. وتغيرت استراتيجية مصر فى الاقتراض من الخارج إلى الداخل وحتى آخر يوم لحكم حسنى مبارك ظل الدين الخارجى عند تقريباً 31 مليار دولار نفس رقم الدين عند عام 1993.
اعتذر عن هذه المقدمة الطويلة عن بعض تاريخ ديون مصر الخارجية ولكنه مهم لأنه السبب الرئيسى الذى تتحرك به حكومتنا لبيع أصول القطاع العام.
هل بيع أصول أو شركات القطاع العام خطأ؟ من وجهة نظرى فى معظم الأحيان هو خطأ. الفكر لمصر لا بد أن يكون الحفاظ على الملكية ولكن الإدارة بفكر القطاع الخاص. فمثلا فندق ماريوت بالزمالك تمتلك الدولة الأرض والمبانى ويدير الفندق شركة ماريوت العالمية التى تحصل عادة على 3% من المبيعات و8% من الأرباح ولكن الأصول تبقى مع مصر.
نفس الشىء لابد أن يتم فى كل القطاعات السهلة والربحية فيها شبه مضمونة فمثلاً قطاع الأسمنت أو الحديد أو الاتصالات أو البتروكيماويات أو العقارات فى الأراضى المميزة كلها قطاعات الربحية مضمونة إذا كانت توجد إدارة قوية والفشل حتمى فى أى شىء إذا تواجدت إدارة ضعيفة. لماذا هى مشاريع سهلة؟ لأن البيع مضمون للمستهلك المصرى. فعلينا عمل المصنع أو المشروع وإدارته إدارة جيدة والنتيجة شبه مضمونة.
ولكن القطاعات التى بها البيع صعب وهى التى تضطر فيها للتصدير فهنا يجب إشراك القطاع الخاص وإعطاؤه العديد من الحوافز لكى يستطيع النجاح فى المنافسة العالمية.
ما علاقة كل ذلك بالوضع الحالى؟ الوضع الحالى شبيه بأول عشر سنوات فى حكم حسنى مبارك (مع اختلاف السرعة وعدد المشروعات التى يتم تحقيقها على الأرض): العديد من مشاريع البنية التحتية، زيادة فى الديون الخارجية من 31 مليار دولار عام 2011 إلى 47 مليار دولار عام 2013 إلى 81 مليار دولار عام 2018، واتجاه لبيع بعض أصول الدولة لتغطية عجز الموازنة، وتأخر فى انطلاق الصادرات المصرية.
كل ذلك سيؤدى إلى اضطرار مصر لبيع بعض أصول القطاع العام لتغطية العجز بدون عمل خطة لحل المشكلة الرئيسية وهى الزيادة الكبيرة فى الديون الداخلية والخارجية وهى التى تضطرنا لبيع هذه الأصول.
تجارب الإمارات وسنغافورة والصين ممتازة ويجب زيارة هذه الدول والتعلم من فكر الحفاظ على أصول شركات القطاع العام والادارة بفكر القطاع الخاص واستخدام العائد فى الصرف على التعليم والصحة والبنية التحتية للدولة.
بقلم: على والى
شريك بشركة لوجيك للاستشارات
كاتب كتاب العبور الاقتصادى لمصر