أصبح معتاداً لدى العامة أن يَصدر بين الحين والآخر قرار بإقالة رئيس هيئة الأوقاف.. وعلى طريقة نادى الزمالك فى تغيير المدربين كل فترة، نفاجأ برئيس جديد للأوقاف، ثم سرعان ما تتم إقالته أو يتقدم هو باستقالته.. وأتذكر أنه فى خلال السنوات الخمس الأخيرة تولى رئاسة هيئة الأوقاف ما لا يقل عن خمسة رؤساء، جميعهم إما تمت إقالتهم وإما تقدموا باستقالة.. وإذا نظرنا إلى كواليس ما حدث مع رئيس هيئة الأوقاف المُقال أحمد عبدالحافظ، فإنَّ الرجل يتم التحقيق معه فى مخالفات مالية وإدارية، أهمها أنه كان يضارب فى البورصة، وكان يدير محفظة الهيئة من الأوراق المالية دون الرجوع للوزارة ولمجلس إدارة الهيئة. والرجل صاحب فكر اقتصادى، وتعامل مع منصبه أنه يدير أموال الأوقاف ويستثمرها لتأتى بعوائد يتم الإنفاق منها على مصارف الأوقاف.. ولكن هذا الفكر غريب على وزارة الأوقاف؛ لأنه للأسف تم إسناد إدارة أموال الأوقاف إلى وزارة الأوقاف؛ بسبب تشابه الاسم فقط، وليس الهدف أو الوظيفة الحقيقية المتعارض بين الهيئة التى من المفترض أنها تدير أموال الأوقاف وبين وزارة الأوقاف المسئولة عن نشر الدعوة الإسلامية وإدارة المساجد.
ولأن أموال الأوقاف فيها مغانم كثيرة، فاستأثر شيوخ الأوقاف بالسيطرة على الهيئة التى ضاعت ونهبت أموالها منذ عشرات السنين، ومنذ أن ابتدع العبقرى نجيب الريحانى نظريته الشهيرة فى أصول نهب الأوقاف، وهى نظرية الخروف عندما حاول ناظر الوقف الذى كان يعمل به الريحانى قيد مبلغ كبير فى دفاتر الوقف على عملية شراء وهمية لخروف لينهب قيمته، فابتدع له «الريحانى» نظرية حسابية لتقنين الصرف بتفاصيل ذات صلة بشراء الخروف مثل قص شعر الخروف، نقل الخروف، علاج الخروف، تجهيز مكان للخروف.. وهكذا، وهذه كانت وما زالت أشهر نظرية فساد لأموال الأوقاف التى نُهِبَت فى كل ربوع مصر، وضاع الهدف الأساسى للغرض من هذه الأموال التى أوقفها أصحابها للإنفاق على مساجد أو جامعات أو أسر أو مستشفيات أو دور أيتام.
وأموال الأوقاف التى تقدر بمئات المليارات من الجنيهات غالبيتها أراضٍ وأصول عقارية تفتقر إلى الإدارة السليمة فى التصرف واستثمارها، بما يدر عوائد على هذه الأموال وبما يخدم الاقتصاد القومى.. وهذا خطأ جسيم من كل حكومات مصر التى تركت أموال الأوقاف مرتعاً للفساد، ولم تتعامل معها كمورد اقتصادى مهم يمكن استغلاله فى المساهمة فى التنمية الاقتصادية فى إقامة مشروعات إنتاجية وعقارية وزراعية على أراضى الأوقاف المنتشرة فى أنحاء البلاد، وهذا يقلل العبء على موازنة الدولة، وتصبح الأوقاف شريكاً فى إيرادات هذه المشروعات.
ولكن القانون المنظم لأموال الأوقاف وآلية إدارتها لم يتفهم ذلك، وترك الهيئة تدار بعشوائية مفرطة مستندة إلى نظرية «الريحانى» باعتبار أموال الأوقاف «مال سايب» لا صاحب له..
ومن هنا.. تبدو أهمية تعديل قانون الهيئة وفصل إدارة الأوقاف عن وزارة الأوقاف، وتكوين شركات تدير أموال الهيئة، وتستثمر أموالها بطرق استثمارية محترفة، وهو ما حاولت عمله بعض مجالس إدارات الهيئة من خلال مناقصة لبنوك الاستثمار، وهو المجلس الذى كان يديره المهندس على الفرماوى، وكان يضم محافظ البنك المركزى الأسبق فاروق العقدة، ولكنه اصطدم بقانون معوق وفكر رجعى متخلف.. فلم يحدث شىء؛ لأن هناك أصحاب مصالح داخل الهيئة يقاومون أى تغيير ويريدون أن تظل الهيئة بأموال بعيدة عن الأعين.
والقانون الحالى المعوق جعل بعض رجال الأعمال وغيرهم لا يستطيعون وقف أموالهم لأعمال الخير أو للمستشفيات أو للجامعات التى هى فى أمس الحاجة للتمويل؛ بسبب علمهم بأن أموالهم ستنهب، ولن يتحقق له ما يريده من وقف لأموال، فأصبح يقوم هو بعمل مشروعات خيرية ويديرها أو يتبرع للمؤسسات الخيرية القائمة، وبالتالى ساهم الجميع فى القضاء على الوقف الأهلى؛ بسبب الإدارات الفاشلة، وبسبب نظرية نجيب الريحانى الله يسامحه.