أوروبا ينبغى أن تحاسب ترامب على تدمير الاتفاق النووى

بقلم: سيمون تيسدال

معلق على الشئون الخارجية بصحيفة «ذا جارديان»
يعد نسف الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، الاتفاق النووى الإيرانى على أسس مشكوك فيها ومضللة بقدر كبير بمثابة تخريب دبلوماسى متعمد محفوف بالمخاطر، ورغم أن الاتفاق المبرم فى 2015 لم يغرق بالكامل، فإنَّه تعرض لثقب هائل، وسوف يرى الكثيرون، فى طهران، أن إعادة فرض العقوبات الأمريكية بشكل كاسح على إيران بمثابة إعلان حرب، وبالنسبة لترامب، فقد أثبت لنفسه مرة أخرى أنه سيد الفوضى.
ويبدو أن هذه المحاولة العنيفة لعزل إيران أكثر، مصممة لتؤدى بالأخير إلى تغيير النظام الإيرانى، وعلى المدى القصير، سوف تدمر البقية الباقية من النية الحسنة المتبادلة، وتضعف الموقف الإيرانى المؤيد للغرب، وتزيد من سلطة المتشددين، وتشعل فتيل أزمة فى أسعار البترول، وترفع مخاطر الصراع فى سوريا وإسرائيل.
كما أنها تثير شبح التسابق على تسلح نووى إقليمى، وتدمر التحالف الغربى لصالح روسيا وآخرين، وهى صفعة لسيادة القانون الدولى بنفس حجم ضربة ضم إقليم القرم.
ومع ذلك، فإنَّ حماقة ترامب قصيرة النظر والبعيدة كل البعد عن كونها غير مسبوقة، تتماشى بالكامل مع تاريخ طويل من الأخطاء الكارثية المشابهة فى سياسات الشرق الأوسط من قبل رؤساء أمريكيين سابقين.
فالمنطقة مليئة بجثث قتلتها السياسات الأمريكية الخاطئة وغير الحكيمة للغاية، والمرتكبة نتيجة نفس الخليط من الجهل والكبر الذى يتغلغل فى البيت الأبيض حالياً، وفى هذا الصدد، لا يختلف ترامب عن كثير من أسلافه المعاصرين.
وقدمت إيران، دائماً وأبداً، مثالاً صارخاً، فعادة ما تستخدم أزمة الأسرى فى طهران فى 1979 – 1981 كمرجع لهؤلاء الذين يبحثون عن تفسير للعداء الرسمى الأمريكى الدائم، وصحيح أن الإذلال القومى الأمريكى كان كبيراً، ودفع جيمى كارتر ثمن ذلك سياسياً، ولكن الجريمة الحقيقية للشعب الإيرانى لم تكن حصار السفارة، وإنما إطاحتهم الجريئة للشاه المستبد الموالى للنظام الأمريكى فى ثورة 1979.
وبعد كل شىء، فقد واجهت أمريكا وبريطانيا مشكلات كبيرة فى عام 1953 بعد إطاحتهما سراً بحكومة رئيس الوزراء محمد مصدق المنتخبة ديمقراطياً، وفقدتا سيطرتهما نتيجة مكائدهما التى أدت إلى تأكيد آية الله «روح الله الخمينى» على الحكم الدينى المطلق، وهو ما مهَّد للدعم الأمريكى المميت لصدام حسين فى حربه ضد إيران فى الفترة من 1980 إلى 1988.
ومن بين الكوارث الأمريكية الكثيرة فى الشرق الأوسط، قرار جورج دبليو بوش فى 2003 غزو العراق دون أى خطة، ما جعله قراراً فريداً لا ينافسه شىء فى عدم تماسكه الاستراتيجى وعدم كفاءته المذهلة، فقد دمَّر العراق اقتصادياً وإقليمياً، وأشعلت خطابات بوش عن «محور الشر»، و«الحرب العالمية على الإرهاب» العنف الطائفى والجهاد، ما مهَّد الطريق لظهور داعش، وفشل الاحتلال الأمريكى المطول فى ترسيخ حكومة ديمقراطية شاملة.
وحاول بيل كلينتون إنهاء الصراع الفلسطينى الإسرائيلى، ما تسبب فى تفاؤل كبير، وأتذكر وقوفى فى الحديقة الجنوبية للبيت الأبيض فى 1993 عندما جذب كلينتون ياسر عرفات وإسحاق رابين ليصافحا بعضهما البعض على مضض، وأعلن رابين: «كفى دماء ودموعاً كفى.. حان وقت السلام».
ولكن لم يحن هذا الوقت، واستمرت الدماء فى التدفق، وفشلت مجهودات كلينتون فى لعب دور الوسيط الصادق كغيره من الرؤساء الأمريكيين؛ بسبب أن مطالبات الفلسطينيين بالعدالة لم تكن أبداً مساوية لنفوذ إسرائيل السياسى والعاطفى والمالى فى واشنطن.
وفى خطاب شهير آخر بالقاهرة عام 2009، وعد الرئيس باراك أوباما بـ«بداية جديدة»، وقال إن الولايات المتحدة تعاملت مع دول الشرق الأوسط إما كوكلاء أو أعداء، ووعد بأنها سوف ستعالج التطرف الدينى، وقضية فلسطين، وانتشار الأسلحة النووية، ونقص الديمقراطية، وحقوق النساء، ومع ذلك، لم يتغير الكثير فى سنوات حكم أوباما، سوى الاتفاق الإيرانى الذى كان بمثابة تحول واضح حتى دمره ترامب.
وفى العديد من الجوانب، تفاقمت مشكلات المنطقة تحت الوصاية الأمريكية، وانظروا إلى الصومال التى أصبحت دولة فاشلة ومرمى لإطلاق النار من قبل القوات الأمريكية الخاصة، واليمن التى تعانى كارثة إنسانية نتجت عن تسليح أمريكا للسعودية، وليبيا التى أصبحت نموذجاً فوضوياً لتغيير النظام المصنوع فى أمريكا.
ويعد ترامب الجاهل، الوريث المباشر للسلسلة الكئيبة من الأخطاء الكارثية الرئاسية، ولكن هذا لا يعنى أن بريطانيا وأوروبا يجب أن تتحمل كارثة شرق أوسطية حتمية أخرى مصنوعة فى واشنطن، وكما قيل لروسيا إن تصرفات بعينها غير مقبولة وسينتج عنها تداعيات مؤلمة، ينبغى أن يقال ذلك لأمريكا أيضاًَ.
ويتعين على الحلفاء الأوروبيين، بكل الوسائل المتاحة، أن يقوضوا، ويطوقوا، ويدمروا محاولة ترامب لتدمير الاتفاق الإيرانى، وينبغى عليهم السعى لعلاقات أكثر وثاقة مع طهران، وفى الوقت نفسه، توجيه عقوبات دبلوماسية واقتصادية لواشنطن، ويجب اتخاذ تحرك مشترك لتوبيخ أمريكا فى الأمم المتحدة، ويجب دفع ثمن الغدر.
ويمكن أن تبدأ رئيس الوزراء البريطانى، تيريزا ماى، بسحب دعوتها غير الحكيمة لترامب لزيارة بريطانيا، نظراً إلى أن سياسات ترامب المسعرة للحرب فى الشرق الأوسط، بالإضافة إلى إنكاره التغير المناخى، وغيرهما من السياسات الانقسامية والخطيرة، تهدد المصالح البريطانية، والسلام والأمن العالميين، ولم يعد كافياً أن نشجب وندين ببساطة، وحان الوقت للمقاومة الفعالة.

إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: صحيفة «ذا جارديان البريطانية»