عشر سنوات مرت سريعاً، ما زلتُ أتذكر معظم تفاصيلها، فمن شقة فى وسط البلد بشارع شريف، بدأ حلم «البورصة».. كورسات اقتصادية على يد متخصصين، ومناقشات مستمرة بين الزملاء حول السياسة التحريرية التى نرغب فى تطبيقها والالتزام بها، عدة أشهر من العمل والتدريب فصلتنا عن صدور العدد الأول الذى اعتبرناه «حلماً» حققناه سريعاً.
قرار خروج التجربة للنور كل أسبوع كان فى أوج الأزمة الاقتصادية التى ضربت العالم عام 2008، ظن البعض أن توقيت دخول المنافسة الصحفية محاولة انتحار سريعة أو قرار غير محسوب، لكن مع توالى الأعداد بدأ الجميع يشيد بالتجربة وحياديتها، حتى زالت رهبة البدايات بداخلنا.
معظم أبطال التجربة شباب حديثو العهد بالصحافة بشكل عام والصحافة الاقتصادية على وجه الخصوص، وعلى مدار 3 سنوات من الإصدار الأسبوعى كانت شقة وسط البلد «خلية نحل» من الزملاء الصحفيين والمنفذين والإداريين لإخراج كل إصدار بصورة مختلفة وتنافسية، مرت علينا أيام قاسية وأخرى جميلة مازلنا نتذكرها فى الشقة المطلة على مقر البنك المركزى.
كان شعارنا منذ العدد الأول، أننا صحيفة يومية تصدر أسبوعياً بصورة مؤقتة، وهو الحلم الأكبر الذى جاهدنا لإخراجه للنور، فرغبة الجميع من البداية هو أن نكون صحيفة اقتصادية يومية.
أتذكر خلال السنوات الثلاث الأولى اجتماعاتنا الصباحية كل أحد فى صالة التحرير وأجهزة الحاسبات المحدودة العدد التى كنا نتقاسمها فى المقر القديم لإنهاء أعمالنا الصحفية وتسليمها فى المواعيد المحددة.
وكما واجهنا عند بداية الإصدار الأسبوعى تحديات كبيرة، كان توقيت الإصدار اليومى أشد صعوبة وتحدياً آخر، فبعد ثورة يناير 2011 وتحديداً فى شهر مارس كان قرار الصدور اليومى الذى تزامن مع انتقالنا لمقرٍ جديد بالدقى، الجميع كان متخوفاً من القرار.
الأحداث السياسية والاقتصادية المتلاحقة فى ذلك التوقيت كانت مادة دسمة ساعدتنا على نجاح واستمرار تجربة الإصدار اليومى بقوة، بالإضافة إلى اجتهاد الزملاء فى الانفراد بأخبار وتحليلات تصدر بعضها المواقع الإخبارية العالمية.
كانت أفكارنا خارج الصندوق، فبعد الصدور العدد اليومى بقليل استحوذنا على جريدة «الديلى نيوز» بهدف تقديم المحتوى الإنجليزى بجانب العربى لقرائنا، ورغم ما تردد وقتها بأنه قرار غير صائب مادياً جاءت حوارات الرئيس عبدالفتاح السيسى على صفحات الإصدار الإنجليزى على هامش مؤتمرات «اليورومنى» الاقتصادية والتى تناقلتها وسائل الإعلام المحلية والعالمية لتؤكد أن قرار الاستثمار فى الجريدة الناطقة باللغة الإنجليزية كان صائباً.
لم يتوقف الأمر عند ذلك الحد، فعلى مدار الأعوام المتلاحقة قمنا بتقديم خدمات متنوعة للقراء كان أبرزها «الإنفوجراف» الذى أدعى أننا من أوائل الصحف التى اهتمت به، وخصصت كتيبة من المبدعين المحترفين له على رأسهم، «الزوام»، و«عبدالله»، و«حلمى»، و«عيد».
بين الحين والآخر، أشتاق لذكريات شقة وسط البلد التى كانت شرارة انطلاق مجموعة من الشباب آمن بالفكرة، واستطاع خلال عشر سنوات الفصل الكامل بين الإعلان والتحرير، وتجنب تضارب المصالح، والحفاظ على اسم «البورصة» فى وقت غابت فيه المهنية، وغلبت المصالح على الكثير من ممتهنى صاحبة الجلالة.