يقول مؤلف كتاب “من صفر إلى واحد”، إن المستقبل أما عرضى أو رأسى، عرضى هو تقليد لما هو قائم أما الرأسى فهو شىء جديد تماماً ينقلك من صفر إلى واحد، حيث فكرة العولمة التى سيطرت على العالم خلال الـ60 سنة الماضية مثلت فكرة المستقبل العرضى، حيث يسعى العالم لتقليد أركان النجاح الاقتصادى الموجود فى أمريكا، العولمة هى تطبيق قواعد الاقتصاد الحر التى نجحت فى أمريكا وأوروبا ليستفيد منها الاقتصاديات الناشئة.
أما المستقبل الرأسى فهيا التكنولوجيا، حيث البشر يخترعون شيئاً أو طريقة جديدة يخلق قيمة مضافة جديدة كبيرة، القرن الـ19 يمثل قرن التكنلوجيا بلامنازع والقرن الـ20 يمثل العولمة والتكنولوجيا، ما قبل القرن الـ19 كانت ثروات البشر أساساً من طرق تقليدية مثل الزراعة والتعدين ومن قدرتهم على الاستيلاء على ثروات الآخرين، بينما فى القرن الـ19الوصول إلى تكنولوجيا جديدة أدت للوصول إلى طاقة الفحم والكهرباء جعل المجتمعات الغربية تصنع ثروات ضخمة غير مسبوقة من التصنيع، القرن الـ20 كان فترة نقل هذة التكنولوجيا إلى كل بلدان العالم مع نموذج رأسمالى واضح يتم تكرارة مدفوعاً بتكنولوجيا الإنترنت، السؤال كيف سيكون القرن القادم؟
يرى الكاتب أن ربما يكون المستقبل عودة مرة أخرى للمستقبل الرأسى، حيث يخترع البشر تكنولجيا جديدة تغير شكل الحياة وتغير شكل تكوين الثروات، هذة التكنولوجيا ليس شرطاً أن تأتى من الدول المتقدمة حالياً، بل قد تاتى من أى دولة، فمعظم التكونولجيا التى أدت لتغيرات ضخمة جاء بها مجموعة صغيرة من المغامرين الذين اسسو شركة صغيرة، الشركات الكبيرة والحكومات لديها هياكل إدارية ضخمة تمنعها من المغامرة فى البحث عن تكنولوجيا جديدة، بينما فقط الشركات المبتدئة الصغيرة لديها الدافع والحماس للبحث، التكنولوجيا الجديدة لا تعنى فقط كمبيوتر وشبكات بل أى شىء جديد يغير شكل الواقع ويحسنه ويخلق مصدراً جديداً للثروة.
تجربة مصر الرأسمالية-العولمة قد تعود إلى ثلاثينيات القرن الماضى، لكن خلال الـ90 سنة الماضية من الممكن بشكل عام جدا وصف التجربة كالآتى: فترات نمو وازدهار يتبعها فترات ركود وقرارت صعبة للعودة إلى النمو، فاقتصاد مصر دوماً بشكل أو آخر به عجز موازنة وتضخم وخلل ميزان تجارى، فتأتى فترات النمو والازدهار لتقيل الآثار السلبية لهذه العوامل ثم ينحسر النمو وتبدأ هذة العوامل بخلق ضغط شديد فتأتى قرارات صعبة تعيد الأمور لفترة النمو وهكذا، لكن فقط التكنولوجيا هى القادرة على نقل مصر من مصادر الثروة التقليدية فى التجربة الراسمالية إلى شىء جديد تماماً، فقط عن طريق سلسلة من الاختراعات التكنولوجية الجديدة تستطيع مصر خلق ثروات ضخمة تتجاوز العقبات المزمنة من تضخم وعجز
هذه التكنولوجيا المأمولة لن تأتى من أى كيانات كبيرة، ستأتى فقط من شركات ناشئة صغيرة واعدة ممتلئة بعقول طامحة لتغير حقيقى، تخيل معى مثلا شكل مصر التى قد تعانى من بعض مشاكل فى المياه لو اخترعت شركة مصرية تكنولوجيا جديدة تجعل تحلية مياه البحر سريعة وسهلة ورخيصة جداً، هذا اختراع سيغير شكل سياسات المياه فى العالم ويخلق مئات المليارات من الدولارات عائد لمصر ولهذه الشركة
مثال لبعض التكنولوجيا الناشئة التى إذا نجحت سوف تغير شكل الحياة الآن هى السيارات ذاتية القيادة، هى سيارة مؤهلة بتكنلوجيا متطورة من السنسور والذكاء الصناعى والقدرة على التعامل مع الصور، تجعل السيارة قادرة على قيادة نفسها، تخيل عدم احتياجك لسيارة، عندك مشوراً تستخدم ابليكاشن فتطلب سيارة ذاتية القيادة تصل لبيتك، توصلك مشوارك ثم تذهب لشخص آخر، تطور أبليكاشن شركات مثل أوبر وكريم معتمد على سيارات ذاتية القيادة، إذا حدث نجاح وسيطرة لهذه التكنولوجيا سيعنى تغيير شامل لقوانين المرور، انخفاض ضخم لعدد السيارات المصنعة بل ربما انهيار صناعة السيارات التقليدية، انخفاض كبير فى حجم وقود السيارات المستخدم وتأثير هذا على سعر البترول، تخيل شركات مصرية تساهم بتطورات تكنلوجية تدعم وتسهل هذا التغيير الضخم!
تكنولوجيا أخرى مثل سوبر سونيك التى إذا نجحت ستجعل الطائرة أسرع مرات ومرات، ما يستغرقه طيران 5 ساعات بين بلدين سيصبح مثلاً مجرد ساعة، تخيل ما يحدث حين يصبح السفر ما بين البلدان أسرع بكثير، تخيل نجاح تكنولوجيا الذكاء الصناعى فى جعل البشر أسرع وأذكى وقادرين على عمل مجهود كان يسغرق شهور فى مجرد دقائق؟ فى تقديرى مستقبلنا المتجاوز لكل العقبات الاقتصادية التقليدية الماضية هو مستقبل يسعى للإجابة عن السؤال الآتى: كيف نشجع شركات مصرية ناشئة على تطوير تكنولوجيا أو المساهمة فى تطوير تكنولوجيا تحل مشكلات فى مصر وتغير شكل حياة البشر؟
الإجابة على هذا السؤال غير مرتبطة بفكرة الموارد الحالية، أديسون والكهرباء كانت بداياته متواضعة بدون أموال كثيرة، أيضا حكايات بل جيت وجيف بيزو وستيف جوب وبداياتهم فى جراج البيت هى حكايات معروفة، التكنولوجيا بطبعها لا تحتاج ثراء لتبدأ بل تحتاج عقول وفرصة، الإجابة على السؤال اظن مرتبطة بأفكار مثل: تشجيع إبداع الشركات الناشئة، خلق إطار مالى مرن فمن كل 100 أو حتى 1000 شركة ستحاول قد تنجح شركة واحدة ولكنه نجاح قد يغير العالم، انفتاح مجتمعى على أفكار جديدة قد تغير شكل حياته، تسهيلات حكومية لحماية الإبداع الحقيقى وتشجيعة، مدارس وجامعات تجعل الإبداع أولوية، الإجابة باختصار ستكون كيف نجعل الإبداع أولوية لتكنولوجيا تحل مشكلات فى مصر وتغير فى العالم، عملية إبداع تخلق معها مصادر ثروة ضخمة لمصر تجعل اقتصاد مصر أكبر من أى مشكلة اقتصادية تقليدية.
التطورات التكنولوجية القادمة قد تغير فعلاً كثيراً من الصناعات والقوانين الموجودة بشكل سيخلق ثروات ضخمة لمن يساهم فى هذه التكنولجيا، لكن من لا يساهم فيها قد يتعرض لتحديات أيضاً غير مسبوقة، تحديات قد تشابه وقت اختراع أوروبا طاقة البخار والكهرباء وتفوقها الشديد على الشرق فى القرن الـ19، لكن روعة التكنولوجيا انها قد تأتى من أى مكان، المطلوب فقط إطلاق طاقات الإبداع، والتغيرات الضخمة غالباً قادمة قادمة وستخلق تحديات ضخمة، يفضل يواجهه تحدى أنك جزء من التغير على أن تواجه تحدى أنك خارج التغيير.