بقلم/ مارتين وولف
كبير المحللين الاقتصاديين لدى صحيفة «فاينانشيال تايمز»
إيطاليا ليست اليونان، ولكن ليست كل الاختلافات تدعو للتفاؤل.
فإيطاليا تتمتع باقتصاد أكبر 10 مرات، ودينها العام البالغ 2.3 تريليون يورو أكبر بسبعة أضعاف، فهى الأكبر فى منطقة اليورو ورابع أكبر دولة فى العالم من حيث احتياطيات الذهب.
كما أن إيطاليا أكبر من أن تواجه فشلا وربما تكون أيضا أكبر من أن يتم إنقاذها، ولكن يبقى السؤال هنا حول ما إذا كانت الحكومة الجديدة للبلاد ستثير أزمة من هذا القبيل؟ وإذا كان الأمر كذلك، فما الذى قد يحدث؟
ووفقا لمجلس الشئون الخارجية للاتحاد الأوروبي، فإن شعور التماسك والتلاحم بين الأفراد والاتحاد الأوروبى فى الدول الأعضاء فى الاتحاد الأوروبى لم ينخفض بشكل حاد مثلما حدث فى إيطاليا بين عامى 2007 و2017، ففى العام الأخير، انخفض ترتيبها وفقاً لهذا المعيار إلى المركز الـ23 من أصل 28 عضوًا.
ولا يعود ذلك إلى الأزمة الاقتصادية فقط، فبين عامى 1997، الذى أطلقت فيه منطقة اليورو، والعام الماضي2017، ارتفعت حصة الفرد من إجمالى الناتج المحلى الحقيقى لإيطاليا بنسبة 3%، وهو بالتالى أداء أسوأ من أداء اليونان.
ويشعر الإيطاليون أيضا بأنهم تُركوا وحدهم للتكيف بأنفسهم مع أزمة الهجرة التى يعانون منها. وباختصار شديد يشعر كثير من الإيطاليين بأنهم شبه منفصلين عن الاتحاد الأوروبي، ويشعرون أيضا بإزدراء من صنعهم، ولهذا السبب اكتسبت حكومة الشعبويين اليساريين واليمينيين غير المتماسكة فكريا، السلطة، فاليسياريون هم الأقوى فى الجنوب، أما اليمينيون فهم الأقوى فى الشمال، وهو انقسام تفسره الاختلافات الاقتصادية الإقليمية الحادة.
وتعتبر هذه الفوضى خطأ كل من إيطاليا والاتحاد الأوروبي، الذى فشل فى الوصول إلى معدل التضخم المستهدف أو توليد الطلب الكافي، مما صعب تحقيق التعديلات الضرورية فى مرحلة ما بعد الأزمة فيما يخص القدرة التنافسية.
وقد تسبب رفض ألمانيا الاعتراف بأن هذه هى المشاكل، فى جعل الأمور أسوأ بكثير، ولكن الإيطاليين فشلوا أيضا فى فهم ضرورة إجراء إصلاحات اقتصادية ومؤسسية جذرية إذا أرادت إيطاليا الازدهار، خصوصا فى اتحاد العملة مع ألمانيا.
وربما يكون الوقت قد فات.. فدوامة الشعوبية تتضمن الناخبين التعساء والوعود غير المسئولة والنتائج السيئة، ولكن القصة لم تنته بعد، فربما تكون بدأت للتو.
ويتضمن البرنامج المشترك لحزبى «حركة خمس نجوم» و«رابطة الشمال»، ما يكفى لإثارة الصراع مع الاتحاد الأوروبى ومنطقة اليورو، فهو يحتوى على نسبة إنفاق أعلى وخفض فى الضرائب وانتهاكات للقواعد المالية والنقدية لمنطقة اليورو.
وإذا كانت الحكومة الجديدة ستنتهك القواعد، فإن البنك المركزى الأوروبى لن يتمكن من مساعدتها، كما أن أى مواجهة ستسبب عدم استقرار مالى ستؤدى إلى إذلال الإيطاليين، ولكن هذا سيكون صحيحاً فقط لو كان الإيطاليون غير مستعدين لاستخدام السلاح المدمر المتمثل فى التخلف عن السداد.
كان الإيطاليون غير المقيمين يمتلكون ما قيمته 686 مليار يورو من سندات الحكومة الإيطالية (أى 36% من إجمالى قيمتها) فى نهاية العام الماضي.
وبالإضافة إلى ذلك، كان البنك المركزى الإيطالى مدينا لعدد من الشركاء، فى مارس الماضي، أهمها البنك المركزى الألماني، بمبلغ مالى يقدر بـ 443 مليار يورو ضمن نظام «تارجت 2»، واليوم تتجاوز مراكز المدينين والدائنين داخل النظام الأوروبى للمصارف المركزية نطاقها خلال أزمة عام 2012.
وإذا تعثرت إيطاليا وانهارت، قد يكون الضرر كبيراً، حتى أن هذا الأمر يتجاهل الأثر الاقتصادى الأوسع نطاقاً، ناهيك عن التأثير السياسي، وسيكون التنمر على إيطاليا أصعب منه على اليونان، لأنه من الواضح أن خروج إيطاليا من منطقة اليورو أشد خطورة بكثير من خروج اليونان.
إذا ما الذى قد يحدث؟
أحد الاحتمالات يتمثل فى أن رئيس الوزراء المقترح جيوزيبى كونتى سيقود حكومة تقليدية، وبدلا من ذلك ستتراجع الحكومة مع أول نفحة من البارود، ولكن من المحتمل أيضا أن تستمر فى تطبيق سياساتها، مما يؤدى إلى التدافع على الدين الإيطالى والبنوك الإيطالية.
وبدون دعم البنك المركزى الأوروبي، يمكن أن يتسبب ذلك فى فرض قيود على إمكانية تحويل أموال البنوك إلى خارج البلاد، مما بدوره قد يتسبب فى خروج إيطاليا فعليا من منطقة اليورو، وبالتالى حدوث أزمة مروعة.
ويبقى السؤال هنا «هل ستتراجع الحكومة؟»
مرة أخرى، ربما تفعل ذلك، ولكن الأضرار التى تلحق بالثقة ربما تحتاج سنوات لمعالجتها.
وسيفقد اقتصاد إيطاليا زخمه المحدود ويتخذ اتجاها معاكس، وقد يكون هروب رأس المال والأشخاص والشركات أمراً مدمراً، ومع كل هذا قد تشهد انتخابات أخرى فى البلاد ظهور حكومة أكثر تطرفاً، أو فى أسوأ الأحوال قد تصبح وحدة إيطاليا موضع تساؤل.
وهناك تساؤل آخر يدور حول ما إذا كان سيتم احتواء الأزمة الإيطالية طويلة الأمد؟
مرة أخرى، ربما يتم ذلك، ولكن حال وجود أزمة خطيرة قد تتأثر الدول الأخرى، مع ملاحظة أن إسبانيا أيضا تعانى من ديون متزايدة، وبالتالى يمكن أن يصبح الضغط على منطقة اليورو كبيراً.. فإما الإصلاح أو الهلاك.
ويلوم العديد من الإيطاليين أوروبا على محنتهم، فقد يكون هذا الأمر غير عادل ولكن لا مفر منه، فالكثير من القرارات التى تؤثر عليهم الآن تتخذ فى أوروبا، ومن المؤكد أن محاولة الهروب من القيود المفروضة، التى صوتوا لأجلها الآن، ستفشل بالتأكيد، ولكن هذا لن يحل الأزمة، بل إنه قد يزيد الأمر سوءاً على المدى الطويل، وبالتالى وإلى أن تستعيد إيطاليا ازدهارها مرة أخرى، ستظل سياساتها ومكانتها فى أوروبا تعانى من الهشاشة، ويمكن لأى شيء الحدوث.
كتبت: منى عوض
المصدر: صحيفة «فاينانشيال تايمز»