أفول نجم الشركة يهدد قطاع الاستثمار المباشر فى الإمارات والعالم العربى
تشارك الممول الباكستانى، عارف نقفى، المسرح مع بيل جيتس فى منتدى الاقتصاد العالمى فى دافوس بسويسرا خلال يناير الماضى فى جلسة معنية بالصحة العالمية، ولكن ما لا يعلمه الحضور أن 4 مستثمرين بصندوق «نقفى للرعاية الصحية» بدبى بقيمة مليار دولار، بمن فيهم مؤسسة بيل ومليندا جيتس، كانوا قد استعانوا بمحاسبين شرعيين للتحقيق فى أين ذهبت أموالهم.
وبعد أسبوع من المنتدى، كانت صحيفة “وول ستريت جورنال” أول من أعلن عن وجود تلك التحقيقات، ما دفع شركة “أبراج القابضة” المملوكة لـ”نفقى”، للاستعانة بشركة “ديلويت” لإجراء مراجعة أظهرت أن التحقيقات تعمقت إلى أموال مجنبة لصندوق الرعاية الصحية وصندوق الاستثمار المباشر، وفقاً لمسودة موجزة أرسلت للدائنين وأطلعت عليها وكالة أنباء “بلومبرج”.
وقالت “ديلويت”، إن كبار مديرى شركة “أبراج” تشاركوا المسئولية فى الهفوات فى الإدارة والمراقبة، وفى مارس، أوقف “نفقى” الاستثمارات الجديدة، وحرر المستثمرين من التزامهم بتمويلات جديدة، ثم فى وقت لاحق من هذا الشهر، بدأت الشركة فى تخفيض الوظائف وتقليص حجم أعمالها للاستعداد لنمو مستدام وفقاً لبيان نشرته.
وفى الوقت نفسه، كانت “أبراج” تحث الدائنين على الموافقة على تعليق دفعات الديون حتى منتصف يونيو، وتقدمت المجموعة بطلب تصفية مؤقتة يتيح لها إعادة هيكلة ديونها تحت إشراف المحكمة فى جزر كايمان، كما طلبت الاستعانة بشركة “برايس ووترهاوس كوبرز” كمصف مؤقت لها، وفقاً لبيانها.
ولجأت المجموعة لذلك بعدما تقدمت المؤسسة الكويتية العامة للتأمينات الاجتماعية بطلب للمحكمة بجزر الكايمان، مقر تسجيل “أبراج”، لتصفية وإغلاق المجموعة لتخلفها عن سداد الديون فى موعدها، ورفضت الموافقة على اقتراح بتجميد ديونها لدى “أبراج”، ما حال دون جهود المجموعة، التى تتخذ دبى مقراً لها، فى بيع شركة إدارة الاستثمار إلى “سيربيروس كابيتال ماندجمينت” فى نيويورك.
وفى أوساط الممولين فى دبى تنتشر مزحة بأن «جولدمان الشرق الأوسط – كما كانت أبراج معروفة» تخاطر بأن تصبح “ليمان براذرز” المنطقة والذى أطلق غيابه فى عام 2008 أكبر أزمة مالية عالمية.
وكان “نقفى” يؤكد دائماً على اهمية الشفافية والحوكمة الجيدة ولكنه قلل من أهمية الثقة فى المنطقة لسنوات وقال: «بلاشك كان يتعين علينا التعامل مع تساؤلات المستثمرين بطريقة مختلفة، وحقيقة أننا لم نفعل ذلك، وتبنينا منظوراً محدداً وتمسكنا به، جعلنا ندرك متاخراً أنه لم يكن ذلك أذكى شىء قمنا به”.
وبالنسبة للإمارات، يهدد الانهيار السريع لسمعة نفقى، والمشكلات فى أكبر شركة استثمارات مباشرة بالشرق الأوسط، سمعتها كمركز مالى، فقد نمت “أبراج” جنباً إلى جنب مع طموح دبى بأن تصبح مركز مالى عالمى.
وقال على السالم، مؤسس مشترك لـ”أركان بارتنرز” التى تقدم استشارات للأجانب بشأن الاستثمار فى المنطقة، لمجلة “بيزنس ويك” التابعة لوكالة أنباء “بلومبرج”، إن الاستثمار المباشر لايزال قطاع وليد فى المنطقة، لذا من المؤسف أن نرى أكبر اسم فيه يتداعى، موضحاً أن الشرق الأوسط يريد أن يصبح وجهة لرؤوس الأموال الأجنبية، ومثل هذه الأمور لا تساعد.
وبنى نفقى، البالغ من العمر57 عاماً، سمعته كملك الشراء فى الخليج من خلال إنتاج أرباح مذهلة من أماكن لم يتجرأ الكثيرون على الخوض فيها، فقد اشترى حصصاً فى شركة ألبان فى غرب أفريقيا، ومبنى إدارى راقى فى القاهرة، وشركة صناعة مواد غذائية فى كولومبيا، وكان يصر فى المؤتمرات التى يظهر فيها على تسمية الأسواق الناشئة بـ “أسواق النمو” فى إشارة إلى العودة إلى إمكانات أماكن مثل الهند ومصر، كما أنه أيضاً تعمق فى العالم المتقدم الراكد تحت جبال من الديون وشيخوخة السكان.
وبدأت المشكلات فى “أبراج” أواخر العام الماضى، عندما استعان المستثمرون فى صندوق الرعاية الصحية بمجموعة “أنكورا” الاستشارية لتتبع أموالهم، وأظهر التحقيق مخالفات بينها تحريف مسار الأموال عن هذا الاتجاه إلى استثمارات غير ذات صلة، واستجابة لذلك، طلبت “أبراج” من شركة “كيه بى إم جى” للمحاسبة القيام بمراجعة، وقالت الأخيرة فى فبراير، إنه ليس هناك أى إساءة لاستخدام الأموال، ولكن كان الضرر قد وقع بالفعل، وأصبحت المجموعة غير قادرة على خدمة ديونها البالغة مليار دولار نتيجة جفاف الصفقات ووقف جمع الأموال.
وأظهر التحقيق اللاحق الذى أجرته “ديلويت”، أن الشركة خلطت الأموال فى صندوقى الرعاية الصحية والاستثمار المباشر مع الشركة القابضة، وهى خطوة أقدمت عليها “أبراج” على الأغلب بعد مواجهة مشكلات فى السيولة سببها تأخر فى استكمال صقفقات محددة بما فى ذلك بيع شركة المرافق الباكستانية “كى إليكريك”.
ويقول أناس مطلعون على الأمر، إن شركة “كى بى إم جى” بلندن تجرى تحقيقاً داخلياً فى التحقيق الأصلى الذى لم يظهر أى مخالفات، ورفضت الشركة الاستشارية التعليق على الأمر.
وقال صباح البيلانى، المدير التنفيذى لشركة “يونيفرسال استراتيجى” لإدارة الاستثمارات بدبى: “يبدو أن الثقافة داخل «أبراج» لم تبن من البداية لتحول دون وقوع ذلك.. ونرى ذلك فى كل مكان فى العالم عندما يحقق شخصاً ما نجاحاً ضخماً سريعاً جداً، ولا يستفيد الناس من أوضاعهم من خلال جعل نموذجهم التجارى ناجحاً”.
وأضاف السالم من “أركان بارتنرز”: «يبدو أن مشكلات أبراج تنبع من الفشل التشغيلى وليس من الأداء الاستثمارى، ولكن أكثر ما يخيف فى الأمر أن المستثمرين الأجانب هم من اكتشفوا هذه المشكلات بينما لم يشعر بها المستثمرون المحليون أو يقلقوا بشأنها».
وفى أوائل مايو الماضى، كان منافسى «أبراج» فى يوم من الأيام يطوفون حولها كأسماك القرش، فشركة «كولونى نورثستار». قالت إنها تخلت عن فكرة شراء الشركة القابضة بعد شهر من إجراء الفحص النافى للجهالة والذى أثار بعض المخاوف حول الشركة، إلا إنها قد تشترى بعض الوحدات، أما شركة «تى بى جى كابيتال» قالت إنها مهتمة بشراء صندوق الرعاية الصحية على الفور، و«سيربيروس» عرضت 125 مليون دولار لشراء أعمال إدارة الأصول بأكملها.