خلال أيام سيلقى الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس الوزراء، بيان الحكومة أمام مجلس النواب.. وهو أمر دستورى لا خلاف عليه.. ولكن ما سيعرض فى هذا البيان لا شك أنه مرتبط بخطاب تكليف الحكومة الصادر من رئيس الجمهورية.
ويستطيع أياً منا أن يقول ما فى بيان الحكومة من الآن.. لأنه للأسف عبارة عن عناوين وجمل إنشائية وأرقام صماء مثل إنشاء كذا مدينة وكذا مصنع وكذا طريق وفى نهاية البيان لا يخرج المواطن بجملة مفيدة مما جاء فيه ونحن نريد أن يتضمن البيان إجابة عن الأسئلة التى تدور فى أذهان الناس لتكسر حالة الإحباط فى الشارع.. المواطن يريد أن يعرف إلى متى ستظل موجات الغلاء وإلى متى سيظل يتحمل فاتورة الإصلاح ومتى سيجنى ثمار المشروعات القومية وأين الإصلاح الحقيقى لسياسات الزراعة والصناعة وهل لا توجد موارد أخرى للدولة غير جيوب المواطنين.. ومتى ستتحسن مستويات المعيشة والخدمات وأين خطط الحماية الاجتماعية ولماذا لا تراقب الدولة الأسواق بفاعلية وتكسر الاحتكارات المسيطرة على السلع والأسواق.. أين سياسات الدولة المحفزة لدمج الاقتصاد غير الرسمى.. أين التكنولوجيا فى تحسين الخدمات الحكومية وتيسيرها للمواطنين.. أين مبادرات الحكومة لترشيد الإنفاق الحكومى أولاً، لماذا كل هذه السفريات والمؤتمرات بالخارج واللجان والبعثات.. أين أصول وأموال الأوقاف وفيما تستغل، أين مليارات لجنة استرداد الأراضى، أين مشروع المليون ونصف فدان ولماذا يتعثر.. أين تراخيص التوكتوك أين قانون المحليات.. أين قانون الإيجارات.. أين المنتج المصرى الذى يمكن تصديره، أين توظيفات المليارات بالبنوك.. أين المواطن المصرى، لماذا غابت عنه النكتة وهو من أبدعها أين الابتسامة.. لماذا خرجنا من كأس العالم ولماذا لا ننظم البطولة فى يوم من الأيام.. إذا استطاع بيان الحكومة أن يجيب عن نصف هذه التساؤلات فهناك أمل فى الإنجاز.
إننا نريد حكومة ووزراء لديهم أفكار جديدة غير تقليدية لحل المشاكل والأزمات التى نعيشها.. لابد أن تلقى حكومة مدبولى بالصندوق الذى اعتادت الحكومات السابقة أن تخرج علينا منه بأفكار وسياسات لا تسمن ولا تغنى ولا تحل مشاكل.. اتركوا كل وزير يفكر ويخطط وتتم محاسبته.. نريد حكومة لها أهداف تسعى لتحقيقها.. ما جدوى أن نأتى بوزير لا يفعل شيئاً ويخرج من الوزارة وهو لم يقدم شيئا.. لماذا لا نطالب كل وزير بتحقيق هدف معين.. لماذا لا يكون كل وزير مسئولاً عن جذب استثمارات فى قطاعه برقم معين كل سنة ويتم سؤاله إذا لم يستطع تحقيق هذا الرقم.. نحن نريد وزراء يغيروا ويضيفوا وإلا فما جدوى كل فترة تغيير وزارى وإحالة وزراء للمعاش وتتحمل خزانة الدولة معاشات لهؤلاء الوزراء الذين يدخلون التشكيل الوزارى فى كل حكومة ولا يقدمون شيئا.. أدرك بالطبع أن آلية اختيار الوزراء تحتاج لإعادة نظر فنحن نأتى بأشخاص من الجامعات أو من الشرطة أو من الجيش ولا نعرف سوى مناصبهم أما خبراتهم فى العمل العام لا شىء احتكاكهم بالجماهير وقضايا محدودة.. لذلك ينجح الوزراء فى الخارج لأنهم يأتوا من أحزاب سياسية لها شعبية أو حتى أعضائها يخشون على شعبية الحزب فيجتهدون لاستمرار حزبهم فى الحكم.. أما عندنا فلا توجد أى مشكلة إذا خرج الوزير من الوزارة.. بل على العكس ينتظره منصب آخر كرئيس بنك أو شركة كبرى أو أن يعمل لدى مستثمرين والأمثلة كثيرة فى تاريخنا المعاصر وقد تكون المشكلة فى التساؤل الذى طرحه الزميل عماد الدين حسين فى مقاله بجريدة «الشروق» أمس الأول عن صلاحيات الوزير هل الوزير عندنا له صلاحيات أم لا أم أنه مجرد شخص ينفذ ما يملى عليه من توجيهات القيادة السياسية.. وهى مشكلة تواجه تحديدا الوزراء القادمين من القطاع الخاص وليس لهم خبرات فى التعامل مع نظام الحكم فى مصر ومع البيروقراطية المتأصلة فى الجهاز الإدارى للدولة.. لذلك يفشل أغلبهم فى تحقيق إنجازات على الرغم من نجاحه فى القطاع الخاص.. بسبب أفكاره غير التقليدية.. وآلية اختيار الوزراء تجعلنا نتساءل لماذا السكوت على حالة الفراغ السياسى التى نعيشها أين الأحزاب وأين المحليات.. إذا كنا نريد قيادات ذات كفاءة فعلينا بفتح الباب أمام الأحزاب لتخرج إلى الجماهير وتبنى قيادات فى كل قرية على أرض مصر.. نريد أن تتحاور الحكومة مع الناس من خلال الأحزاب والنقابات والمجتمع المدنى والمحليات بدلا من أن تحاور الحكومة نفسها فلا تسمع سوى صوت واحد لابد من حوار الشارع حتى تخرج وجهات نظر أخرى قد تحل مشاكل وتجنبنا أزمات نحن فى غنى عنها.. استوعبوا الشباب بالعمل العام لا بالمؤتمرات إذا كنتم تبحثون عن قيادات إذا لابد من إعادة الحياة للمشهد السياسى فلا غنى عن وجود حالة من السيولة فى العلاقة ما بين الشارع والسلطة.
هذه السيولة لا تتحقق بالإعلام وحده ولا بالمؤتمرات ولكن بمشاركة المواطن فى مناقشة وطرح قضايا الوطن بدءاً من مناقشة رصف طريق قريته إلى مناقشة جدوى سياسات الإصلاح الاقتصادى.. لا أحد ينبغى أن يحتكر الحكمة والمعرفة لنفسه أو أنه أدرى بمصلحة البلاد.. فمن فوائد ومزايا الديمقراطية هى المشاركة فى الحكم، وبالتالى المشاركة فى المسئولية وهذا من بديهيات الحكم الرشيد.
ومن هنا أدعو إلى إعادة صياغة بيان الحكومة ليجيب عن كل ما طرحناه والذى أصبح مثار حديث الناس فى البيوت والمقاهى وأماكن العمل والمواصلات.. الكل يشكو.. ولماذا يشكو لأنه لا يجد إجابة شافية عن تساؤلاته.. فإذا لم يجد المواطن إجابة فإنه سيغلق التلفاز كلما ظهرت الحكومة على الشاشة لأنه يعلم أن خبراً سيئاً أو صدمة جديدة فى انتظاره سواء برفع أسعار سلعة أو خدمة أو ضريبة جديدة تنتظره أو تغيير وزارى جديد لمجرد التغيير على طريقة تغييرات كوبر للاعبى المنتخب.