روسيا تسعى لاحتلال موقع أمريكا فى أوروبا

سلاح الغاز يجبر القارة العجوز على التقارب مع موسكو والمبيعات سجلت مستويات قياسية العام الماضى

فى الوقت الذى تخاطر فيه سياسة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، التجارية بتفاقم الصراع الاقتصادى مع الاتحاد الأوروبى يعمل الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، على تعزيز العلاقات مع دول القارة العجوز.
وكشفت وكالة أنباء «بلومبرج» عن إنشاء روسيا خط أنابيب بقيمة 9.5 مليار يورو ما يعادل 11 مليار دولار لإمداد المزيد من الغاز إلى ألمانيا مباشرة عن طريق سيبيريا على الرغم من تهديد الولايات المتحدة بفرض عقوبات.
جاء ذلك فى الوقت الذى قامت فيه شركة «غازبروم» الروسية فى مايو الماضى بتسوية النزاع حول سياسة التسعير بعد خلاف دام لسبع سنوات مع الاتحاد الأوروبى، مما مكنها من توسيع حصتها فى السوق.
وأوضحت الوكالة الأمريكية أن نجاح روسيا فى تشديد قبضتها على إمدادات الوقود فى أوروبا جاء فى الوقت الذى برز فيه توتر العلاقات بعد قرار الرئيس الأمريكى الانسحاب من الاتفاق النووى الإيرانى وفرض التعريفات على واردات الصلب.
وأضافت الوكالة أن هذه التحركات دفعت الشركاء الأوروبيين فى خط الأنابيب الروسى الجديد إلى التفكير فى إمكانية الالتفاف حول أى عقوبات يفرضها الرئس الأمريكى على روسيا.
وقال ستيفان ميستر، الخبير الروسى فى المجلس الألمانى للعلاقات الخارجية فى برلين، إن ترامب يجبر الأوروبيين على التقارب من الروس ومفاتيح اللعبة الآن أصبحت فى يد بوتين.
يأتى ذلك فى الوقت الذى يقوم فيه المسئولون الأمريكيون بجولات فى أوروبا لتهدئة التوترات مع الولايات المتحدة، ولكن دون تأثير يذكر حتى الوقت الراهن.
وظهر مبعوثو وزارة الخارجية الأمريكية فى برلين وكوبنهاجن وبروكسل فى الأسابيع الأخيرة محذرين من أن خط أنابيب «نورد ستريم 2 » الذى ترعاه شركة «جازبروم» سيترك أوروبا معتمدة بشكل كبير على روسيا فى إمدادات الطاقة.
وتسعى موسكو إلى إتمام المشروع بعد أن منحتها ألمانيا وفنلندا تصاريح بناء خط الأنابيب الجديد مما سمح لـ5 قوارب بالبدء فى أعمال الحفر على طول الطريق البالغ طوله 1220 كيلو مترًا وقد يكتمل العمل بحلول نهاية العام المقبل.
ويهدد الأمريكيون بفرض العقوبات لوقف هذا العمل معربين عن قلقهم من أن الطريق الجديد سيسمح لروسيا بتجاوز ممر النقل الحالى الذى يمر عبر أوكرانيا ويحرم كييف من جلب العائدات المهمة.
وفى الوقت الذى تسعى فيه الولايات المتحدة لفرض عقوبات على روسيا أشار نائب رئيس المفوضية الأوروبية ماروس سيفكوفيتش إلى أن الاتحاد الأوروبى قد يحمى الشركات الممولة لمشروع «نورد ستريم 2».
وأشارت الوكالة الامريكية إلى تراجع التوترات بين أوروبا وروسيا بسبب قضايا الغاز حيث تمكنت «جازبروم»من تسوية النزاع حول التسعير فى الشهر الماضى كما ناقش الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، مع الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، المخاوف بشأن التأثير المدمر للتعريفات التجارية التى تخطط لها واشنطن.
ولكن ليست كل الدول الأوروبية متفقة على الحاجة إلى خط أنابيب روسى جديد حيث تعارض بولندا وسلوفاكيا وأوكرانيا التى نقلت الوقود الروسى لسنوات عبر خطوط الأنابيب الموجودة فى أراضيها هذه الاتفافية.
ووصفت شركة «أومفى راينر» النمساوية التى وقعت صفقة غاز رائدة مع الاتحاد السوفيتى فى عام 1968 الإمدادات الروسية بأنها «موثوقة» وفى معرض حديثه عن زيارة بوتين إلى فيينا، أشار الرئيس التنفيذى للشركة ورئيس «جازبروم» أليكسى ميلر، إلى ضرورة توسيع الشراكة حيث تخطط الشركتين للوصول إلى مستوى جديد من التعاون الاستراتيجى.
ويتمثل الاقتراح الأمريكى فى أن أوروبا ينبغى عليها أن تأخذ صادرات الولايات المتحدة من الغاز الطبيعى فى شكل سائل، ولكن يتطلب ذلك تكنولوجيا باهظة الثمن، وينتاب واشنطن القلق من أن بوتين، قد أغوى أوروبا بضرورة الاعتماد عليه وأنه يستخدم الغاز كوسيلة للارتقاء بأجندته السياسية.
وقال آدم شوب، مسؤول فى بعثة الولايات المتحدة إلى الاتحاد الأوروبى فى بروكسل «بالنسبة لروسيا من الواضح أن الغاز ليس مجرد سلعة يتم تداولها بل أصبح أداة وسلاح للسياسة الخارجية الروسية».
وذكرت الوكالة، أن الولايات المتحدة يمكنها فرض عقوبات كاملة ضد المشاركين فى المشروع الروسى ومنع المؤسسات الممولة للمشروع من القيام بأعمال تجارية فى أمريكا والتى ستكون بمثابة ضربة قاتلة لشركات مثل «شل» بسبب عملياتها الرئيسية فى الولايات المتحدة، ويمكن للإدراة الأمريكية أيضاً أن يكون لديها المزيد من التحركات مثل فرض حظر السفر على المدراء التنفيذيين أو تصعيد الضغط ببطء عن طريق مطالبة وزارة الخارجية بوضع قائمة من التدابير قيد النظر.
وقال ريتشارد ابفيو، خبير فى عقوبات الطاقة فى مركز سياسة الطاقة العالمية فى جامعة كولومبيا فى نيويورك، إن العقوبات بمثابة صاعقة محتملة على المشروع الروسى.
وكشفت البيانات أن روسيا توفر بالفعل أكثر من ثلث غاز أوروبا وهذه النسبة تتزايد حيث أصبحت أكبر مورد للوقود وسجلت شحنات شركة «غازبروم» إلى القارة العجوز رقم قياسى فى العام الماضى.
ومن جانبها، نفت روسيا استخدام الغاز كسلاح مشيرة إلى أن الوقود استمر فى التدفق فى جميع أنحاء العالم وبالنسبة إلى أكبر عملاء شركة جازبروم فى أوروبا يعتبر خط انابيب «نورد ستريم2» جزءًا أساسيًا فى نظام الطاقة فى أوروبا وهو ضرورى لتلبية الطلب المتزايد على الغاز.