الحرب التجارية بين الكبار تنطلق والنيران تطال الجميع
الحروب التجارية ليست «جيدة وسهل الفوز بها»، كما يقول الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، بل هى حروب كل أطرافها خاسرون، والمحظوظ فيها من ينجو بأقل خسارة ممكنة.
وقال نيكولاس لاردى، الباحث المتخصص فى شئون الصين فى معهد بيترسون للاقتصاد الدولى فى العاصمة اﻷمريكية (واشنطن): «سوف يخسر الجميع بشكل مطلق فى الحرب التجارية، ليبقى السؤال حول من الفائز نسبياً؟».
وبدأت، يوم الجمعة الماضى، الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية رسمياً، فقد بدأ سريان الرسوم الأمريكية على واردات صينية منتصف ليلة الجمعة بقيمة 34 مليار دولار، وقالت الصين، إنَّها سترد بالمثل على الفور.
وهدد الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بزيادة الرسوم الجمركية على واردات صينية بقيمة تصل إلى 500 مليار دولار، وهو ما يعادل كل صادرات بكين إلى واشنطن، خلال العام الماضى، وقد يكون هناك رسوم أمريكية أخرى فى الطريق على بضائع صينية بقيمة 16 مليار دولار، ليصل إجمالى بضائعها الخاضعة لرسوم من واشنطن نحو 50 مليار دولار.
وشملت الإجراءات الصينية فرض رسوم بمعدل 25% على وارداتها الأمريكية من فول الصويا.
وقالت وكالة أنباء بلومبرج، إنَّ التكلفة المباشرة بالنسبة ﻷكبر اقتصادين فى العالم ربما تكون أكثر التوقعات وضوحاً، مقارنة بالانهيار فى سلسلة الإمداد العالمية وصولاً إلى تصعيد التوتر العسكرى على بحر الصين الجنوبى، وبالتالى فإنَّ الأضرار الجانبية لا يمكن حسابها.
وفى الوقت نفسه، قدرت شركة «بلومبرج إيكونوميكس» الرسوم الجمركية الأمريكية بقيمة 50 مليار دولار من الواردات الصينية، وقد يكلف انتقاماً مماثلاً من بكين حوالى 0.2% من إجمالى الناتج المحلى، بينما سيكلف الولايات المتحدة أقل من ذلك بكثير، وهى قيمة معقولة فى كلتا الحالتين.
وقال وزير الخزانة الأمريكى السابق لورانس سامرز، فى تصريحات أدلى بها إلى تليفزيون بلومبرج: «لقد شعرت بقلق كبير فى هذه المرحلة من الطريقة التى سوف يجرى بها هذا الأمر».
وفى حرب تجارية عالمية شاملة، من المعتقد أن رفع الرسوم الجمركية اﻷمريكية بنسبة 10%، ورداً مماثلاً من بقية العالم سيعنيان أن الولايات المتحدة قد تخسر 0.4% والصين 0.2% بحلول عام 2020، ولكن الولايات المتحدة ستخسر بشكل أكثر؛ لأنها ستواجه غضب جميع شركائها التجاريين، كما أنه إذا انهارت الأسواق المالية، فإنَّ التكلفة قد تتضاعف.
وإذا تم الحكم من خلال الأسواق المالية، فيبدو أن المستثمرين يعتقدون أن الولايات المتحدة تمتلك الكلمة العليا، فمؤشر «سى. إس. آى 300» لأسهم كبرى الشركات المدرجة فى شنغهاى وشنتشن انخفض بنحو 14% فى العام الجاري، متأثراً بتباطؤ الاقتصاد، وتزايد التوترات التجارية، بينما ارتفع مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» بنسبة 2% تقريباً، مدعوماً بالاقتصاد القوى، كما أنه بينما تستفيد الشركات الأمريكية من زيادة الضرائب على الأرباح، تعانى الشركات الصينية صدمات الحد من الاستدانة فى الائتمان المتاح.
وفى ظل ذلك، هناك أمر واحد فى صالح الولايات المتحدة هو أن اقتصادها يعتمد بشكل أكبر على الطلب من الداخل أكثر من الخارج، ما يعنى أن الحواجز التجارية ستمارس ضغوطاً أقل، فقد أظهرت بيانات البنك الدولى تسجيل صادرات البلاد نحو 12% من إجمالى الناتج المحلى الأمريكى فى عام 2016، مقارنة بنحو 20% للصين.
ويأمل الرئيس اﻷمريكى، أن تتسبب الواردات الأكثر تكلفة فى دفع الشركات إلى تأسيس عملياتها بشكل متزايد فى الولايات المتحدة، بدلاً من الصين المنخفضة التكلفة، ما يدعم الطلب المحلى، ويوفر المزيد من فرص العمل للعمال الأمريكيين.
وفى ورقة صدرت فى 19 يونيو الخاصة بمعهد «سى. دى هاو» البحثى، قال الخبيران الاقتصاديان ميريديث كرولى، ودان سيورياك، إنَّ الشركات التى ترغب فى التأكد من البيع فى الولايات المتحدة يتم إجبارها على إنشاء متجر فى أمريكا.
ومع ذلك، فإنَّ بكين بعيدة عن أن تكون بلا دفاع، فقد ذكر بنك دويتشه اﻷلمانى، أنَّ الشركات الأمريكية باعت ما قيمته 280 مليار دولار من السلع والخدمات فى الصين، خلال العام الماضى، من خلال شركاتها التابعة.
وأوضحت الوكالة، أنَّ هذه العمليات عُرضة لمقاطعة المشترين المستوحاة من الحكومة والتأخيرات الجمركية وغيرها من القيود المفروضة على أعمالهم، وهو ما يشبه التكتيكات التى استخدمتها الصين فى نزاعاتها السابقة مع كوريا الجنوبية واليابان.
وتمتلك الدولة الآسيوية مجالاً على جبهتى السياسة المالية والنقدية لدعم الطلب المحلى، وتعويض الضرر الذى يلحق بالاقتصاد إثر فرض الرسوم الجمركية الأمريكية، فقد قال البنك المركزى الصينى، خلال الأسبوع الماضى، إنه سيستخدم أدوات سياسة شاملة لاستقرار اقتصاده، وتحقيق استقرار توقعات السوق.
وأشارت الوكالة اﻷمريكية إلى أنه سيتم نشر تأثير الرسوم الجمركية الأمريكية فى جميع أنحاء آسيا؛ نظراً إلى أن الصين غالباً ما تكون نقطة تجمع لأجزاء من بقية المنطقة قبل شحن المنتجات إلى أمريكا.
ووفقاً لهذا الصدد، قال كل من فيلدنج تشن، وتوم أورليك، الخبيران الاقتصاديان لدى بلومبرج، إن تايوان وماليزيا وكوريا الجنوبية سوف تتأثر بشكل خاص، رغم أن الشركات وجدت فى أماكن بعيدة مثل تشيلى وجنوب أفريقيا، وألمانيا، أنها قد تشعر، أيضاً، بالتداعيات.
ومن المؤكد أن التداعيات الناتجة عن الحرب التجارية ستنتشر بشكل أكثر، مع وقوع المزيد من الخسائر، فكلما طالت مدة المناوشات بين أكبر اقتصادين فى العالم زادت حدة تلك المناوشات.