«بلومبرج»: بكين لا تنحنى إلى الوراء لإرضاء المفاوضين الأمريكيين
صاغ المؤرخ البريطانى نيال فيرجسون، والخبير الاقتصادى الألمانى موريتس شولاريك، مصطلح «شيمريكا» عام 2006 نسبة إلى أمريكا والصين، عندما كانت هاتين الدولتين العملاقتين فى حالة احتضان اقتصادى.
وقد أطلق هذا المصطلح، عندما كانت الصين تشحن أطنانا من البضائع إلى الولايات المتحدة، مما خلق وظائف صناعية انتشلت ملايين الأشخاص من الفقر.
وفى المقابل حصلت الولايات المتحدة، على سلع رخيصة من الصين ودفعت لها منتجات أمريكية أساسية، مثل طائرات الركاب والأفلام وسندات الخزانة الأمريكية، وهى أموال مقترضة.
ولكن الأزمات بين الولايات المتحدة والصين أضاعت «شيمريكا» وخصوصاً بعد تفجر أزمة شركة «زد تى إى» الصينية لتصنيع معدات الاتصالات السلكية واللاسلكية التى انتهكت بنود العقوبات العام الماضى، بعدما شحنت الشركة الصينية معدات اتصالات بشكل غير مشروع إلى إيران وكوريا الشمالية.
وفى أبريل الماضى، منعت الولايات المتحدة وصول شركة «زد تى إى» إلى المكونات الأمريكية المهمة من شركات ومنها «إنتل»، مما أغضب الزملاء الصينيين، ويهدد تعاون بكين مع مجموعة من بنود جدول أعمال ترامب الأخرى بما فى ذلك خطط للتفاوض على خفض العجز التجارى بين الولايات المتحدة والصين وإخلاء شبه الجزيرة الكورية من الأسلحة النووية.
وذكرت وكالة أنباء «بلومبرج»، أنه إذا توصل الجانبان إلى اتفاق بشأن التجارة فإن الدليل الواضح على قدرة الولايات المتحدة على منع أحد أهم شركات التكنولوجيا الصينية من دخول سوقها جعل من الصعب على الصينيين أكثر من أى وقت مضى بناء قدراتهم المحلية.
وقال الخبير الاقتصادى فى مجموعة «ستاندرد بانك»، جيريمى ستيفنز، إن شعور الصين بالتطويق بات مرتفعاً. وإحساس الصين بالإلحاح فى تطوير التكنولوجيات الأساسية أصبح الآن أكثر إلحاحًا.
وتحدث كبير الاقتصاديين الصينيين فى شركة الأبحاث «تى اس لومبارد»، بو زوانغ، قائلا: «إننا نتجه نحو سباق تسلح تقنى بين الصين والغرب».
وأوضحت الوكالة الأمريكية، أن التنافس الاقتصادى المتصاعد بين الولايات المتحدة والصين يخلق صداعًا للشركات متعددة الجنسيات التى قضت عقودًا فى بناء سلاسل التوريد العالمية.
وأشار كبير الاقتصاديين فى آسيا لدى جامعة «أكسفورد»، لويس كويجس، إلى أن هذا الصراع مع مرور الوقت سيؤدى إلى استثمار أكثر ولكنه سيكون أقل كفاءة فى التكنولوجيا على مستوى العالم، ومن المحتمل انخفاض ضغط الأسعار فى قطاعات مثل أشباه الموصلات وربما حتى فى مجالات منفصلة لمعايير التكنولوجيا.
ولعل فترة ازدهار «شيمريكا»، خلقت مشاكل، حتى عندما كانت الدول قريبة، إذ قضى تدفق المنتجات الرخيصة من الصين، على الملايين من وظائف التصنيع ذات الأجر الجيد فى الولايات المتحدة.
جاء ذلك فى الوقت الذى ساعدت فيه الصين على قمع أسعار الفائدة الأمريكية، وبالتالى تغذية فقاعة الإسكان، التى كان انفجارها عاملاً رئيسياً فى ركود 2007 و2009 ونشوب الأزمة المالية العالمية، ولم يعد البلدان، قريبان الآن إلى حد كبير، لأنهما أصبحتا أكثر تشابهاً من الناحية الاقتصادية.
فلم تعد الصين راغبة فى صنع الألعاب وغيرها من المنتجات ذات هامش الربح المنخفض، ولكنها ترغب الآن فى التنافس مع الشركات الأمريكية والأكثر شهرة فى العالم.
ومع خطة «صنع فى الصين عام 2025» التى جرى كشف النقاب عنها قبل 3 سنوات، أعلنت بكين أنها تتطلع إلى القيادة العالمية فى الصناعات المتطورة بما فى ذلك الروبوتات ومركبات الطاقة الجديدة والتكنولوجيا الحيوية والفضاء وتكنولوجيا المعلومات من الجيل الجديد والبرمجيات.
وذكرت «بلومبرج»، أنه من أجل تحقيق الصين لأهدافها قدمت الدعم للشركات المحلية الرائدة، فى حين تحد فى بعض الأحيان من الدور الذى يمكن أن تلعبه الولايات المتحدة والشركات الأجنبية الأخرى فى السوق الصينية الواسعة أو تتطلب منهم ترخيص تكنولوجياتها الرئيسية للشركاء الصينيين مقابل الوصول إلى الأسواق.
ويتمثل التغير الكبير الآخر، فى أن الصين التى كانت تركز داخلياً لعقود، أصبحت أقوى دبلوماسياً وعسكرياً خصوصاً بعد إطلاقها مبادرة «طرق الحرير» التى تربط البلاد ببقية دول آسيا وأوروبا وأفريقيا والذى يعد أكبر مشروع للبنية التحتية فى العالم.
وارتفع نصيب الصين من الإنفاق العسكرى العالمى من حوالى 6% عام 2008 إلى 13% عام 2017 وفقاً لمعهد «ستوكهولم» الدولى لأبحاث السلام.
وتطالب بكين بالسيادة على بحر الصين الجنوبى، وتقوم بعسكرة الجزر الصخرية لدعم مطالبتها، كما بدأت الصين مؤخراً تجارب بحرية على أول حاملة طائرات محلية الصنع، وفتحت قاعدة فى دولة جيبوتى شرق أفريقيا، العام الماضى.
وقبل عقد من الزمان أو نحو ذلك كانت الحكمة التقليدية، تقول إنه كلما ازدادت الصين ثراء أصبحت أكثر ديمقراطية، وقد تلاشت تلك الآمال خصوصاً منذ تولى الرئيس شى جين ينغ، منصبه فى عام 2013.
وفى مارس ألغى المجلس التشريعى فى الصين حدود فترة الرئاسة، مما مهد الطريق لبقائه فى السلطة بعد نهاية فترة ولايته الثانية عام 2023.
ومع تحول الولايات المتحدة والصين تدريجياً من شركاء إلى منافسين، فإن أى شىء جيد بالنسبة إلى أحدهم يبدو سيئاً للآخر.
وقالت مارى بوخزيغر، رئيسة شركة «لوسرن إنترناشيونال» لصناعة قطع غيار السيارات، إن التعريفات التى اقترحها الرئيس ترامب، «من شأنها أن تشل أعمالى»، فى إشارة إلى نسبة الرسوم البالغة 25% التى فرضتها الإدارة الأمريكية على الواردات من مفصلات السيارات المصنوعة من الصلب والألومنيوم.
وأوضحت «بلومبرج»، أن الإدارة الأمريكية يبدو أنها مرتبكة حول كيفية التعامل مع الصين الأكثر حزماً، حيث أن بكين لا تنحنى إلى الوراء لإرضاء المفاوضين الأمريكيين.
وصعدت الصين عمليات التفتيش على الواردات الأمريكية من الفاكهة والسيارات وهددت بفرض الرسوم الجمركية التى فرضتها إدارة ترامب.
وأضافت الوكالة أن الصين كانت أكثر استراتيجية من الولايات المتحدة فيما يتعلق بتفكك «شيمريكا»، إذ يمكن أن تقدم بكين بعض التنازلات فيما يتعلق بقضايا التجارة، لكنها ليست على وشك التخلى عن هدفها الطويل المدى المتمثل فى المساواة أو التفوق التكنولوجى.
وفى المقابل كانت إدارة ترامب، أكثر تركيزًا على تحقيق الانتصارات الفورية، حيث يسعى الرئيس ومستشاروه إلى خفض سريع فى عجز تجارة بضائع الولايات المتحدة مع الصين التى بلغت 375 مليار دولار فى عام 2017.
ويشعر بعض خبراء التجارة الأمريكيين بالقلق من قدرة بكين على تهدئة ترامب، من خلال زيادة الواردات من السلع الأمريكية غير الاستراتيجية مثل المنتجات الزراعية والبترول والغاز أو تقليص الصادرات مؤقتًا إلى الولايات المتحدة دون إصلاح ممارساتها المناهضة للمنافسة.