بقلم: فريد بلحاج، نائب رئيس منطقة مينا لدى البنك الدولى
رباح أرزقى، كبير الاقتصاديين لمنطقة مينا فى البنك الدولى.
بالنسبة للدول النامية، الوصول إلى حالة الدخل المتوسط بمثابة نعمة ونقمة فى الوقت نفسه.
فرغم أن الدخل المتوسط يعنى أنه تم التغلب على الفقر والحرمان، إلا أنه يعقبه فترة من تباطؤ النمو.
وهذا التباطؤ، تاريخيا، يجعل التقدم نحو مستويات الدخل المرتفع نادرا للغاية، وهذا بالفعل هو وضع الدول متوسطة الدخل فى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا «مينا».. لكن هل هناك أى مخرج؟
على مدار الـ50 عامًا الماضية، واجهت دول منطقة مينا تراجعات اقتصادية وركودًا فى بعض الأحيان.
وبينما شهد كثير من هذه الاقتصادات، خصوصًا تلك المعتمدة على المواد الهيدروكربونية، فترات من النمو الأقوى، لم يحدث أى ارتفاع مستدام.
وانتشار فخ الدخل المتوسط بين دول منطقة مينا، يشير إلى معوقات هيكلية مشتركة للنمو، وبشكل خاص، تعانى جميع دول المنطقة من نقص نشاط القطاع الخاص، وهو ما يعود إلى نقص الإرادة أو القدرة على تطبيق أحدث التكنولوجيات، مما أعاق استدامة نمو الإنتاجية التى بدونها من المستحيل استمرار الارتفاع فى المستويات المعيشية.
وينبع التراخى فى نشاط القطاع الخاص من العقد الاجتماعى الذى استمر لمدة 50 عامًا والذى بموجبه توفر الدولة وظائف حكومية ودعماً هائلاً مقابل الصمت الشعبى وعدم مسائلة الحكام.
ومن خلال نزع روح المخاطرة الاقتصادية فى حياة المواطنين، خنق هذا العقد الاجتماعى ريادة الأعمال والابتكار، كما أنه أضعف جودة الخدمات العامة وعزز عدم الثقة فى الحكومات.
وحتى إذا أرادت حكومات منطقة مينا الحفاظ على جانبها من الصفقة، لن تستطيع، لأن مستويات الديون المرتفعة تجبرها بالفعل على خفض الإنفاق العام الذى يعد المحرك الرئيسى للنمو فى المنطقة.
وبدأت الحكومات فى التخلص التدريجى من الدعم الضخم، وفى ظل تسبب التوترات الجيوسياسية فى تقليص السياحة والاستثمار الأجنبى، يزداد عدم اليقين.
وعلاوة على ذلك، لم تعد القطاعات العامة فى مينا قادرة على استيعاب الأعداد المتزايدة من خريجى الجامعات.
ورغم أن هناك مخاوف متزايدة بشان جودة التعليم وقابلية دخول الكليات، ففى الواقع، يعد الداخلون إلى سوق العمل متعلمين جيدا، ولحقت المرأة بالركب بل وسبقت الرجال فى العديد من الدول.
ولكن هذه التحسنات فى رأس المال البشرى لم تترجم إلى نمو اقتصادى أسرع، وبدلا من ذلك؟، لدى منطقة مينا واحدا من أعلى معدلات البطالة بين الشباب ما يؤدى إلى أكبر هجرة للعقول فى العالم، نظرًا لبحث الشباب الصغار عن فرص بالخارج، واحد أسباب هذه الهجرة أن الحكومة تفشل فى تشجيع الابتكار بل وفى بعض الحالات تثبطه بفاعلية.
وبينما تقلق بعض الدول من أن الأتمتة سينتج عنها فقدان للوظائف، يؤدى فشل منطقة مينا فى تطبيق تكنولوجيات جديدة فى إعاقة خلق الوظائف.
وتكمن المشكلة فى أن حكومات مينا سعيًا منها لحماية الشركات الراسخة – خاصة فى قطاعات الاتصالات والبنوك – تفرض تنظيمات مفرطة وقديمة تمنع اللاعبين الجدد من دخول السوق، وهو ما يقوض انتشار استخدام التكنولوجيا للأغراض العامة، ويمنع التكيف والتطور المطلوبين لتأسيس قطاع خاص حيوي.
ولكن هذا ليس الحال فى آسيا على سبيل المثال، فهى منطقة تبنت التكنولوجيات الجديدة من أجل ترسيخ نفسها كمركز تصنيع عالمي، وفى الواقع، وبفضل الأتمتة، من المرجح أن تحافظ آسيا على هيمنتها التصنيعية حتى بعد ارتفاع الأجور فوق المستويات التقليدية للاقتصادات كثيفة التصنيع.
واستنادا على هذه الخلفية، لا يمكن أن تأمل دول منطقة مينا فى سلوك المسار التقليدية للتنمية المتمثل فى الاعتماد على الصادرات التصنيعية، وبدلاً من ذلك، يتعين عليها تطوير اقتصاد رقمى أكثر تعقيدًا يستفيد من القوى العاملة الشابة والمتعلمة، وهذا يتطلب بادئ ذى بدء تبنى تكنولوجيات جديدة، وتوفير «سلع رقمية عامة» مثل شبكة إنترنت سريعة ويعتمد عليها، وحلول دفع رقمي.
ورغم انتشار الاتصال بالإنترنت والأجهزة الرقمية فى الشرق الأوسط، فهى تستخدم فى الولوج إلى مواقع التواصل الاجتماعى بدلا من إطلاق شركات جديدة أو توظيف الأشخاص، وعندما يتعلق بالمعاملات المالية عبر الهاتف، تتفوق دول شرق أفريقيا عن نظرائها فى منطقة «مينا».
وتشتد حاجة دول منطقة مينا، إلى عقد اجتماعى جديد يركز على استخدام التكنولوجيا لتمكين مئات الملايين من الشباب المتوقع دخولهم سوق العمل فى العقود القادمة، وهذا سيتطلب ليس فقط توفير سلع رقمية عامة ولكن أيضا تحديث للنظام التنظيمي، وتقدم كينيا مثالا يحتذى به حيث ساهم تخفيف القيود التنظيمية فى النمو السريع لنظام المدفوعات عبر الهاتف «إم بيزا»، وعلاوة على ذلك، من الأهمية السماح للاعبين جدد بدخول السوق بما فى ذلك الشركات غير المصرفية.
ويمكن للتكنولوجيا أن تخرج منطقة مينا من فخ الدخل المتوسط.. لكن فقط فى حال قررت الحكومات الأخذ بزمام المبادرة، وإلا سوف تواصل المنطقة التخلف عن باقى العالم، وسيواصل شعبها البحث عن حظوظهم فى أماكن أخرى.
إعداد: رحمة عبدالعزيز.
المصدر: موقع «بروجكت سينديكيت».