فيتنام دولة شبيهة بمصر. بها 93 مليون نسمة، بينما عندنا 104 ملايين نسمة. مرت بحرب أهلية مدمرة من 1955 إلى 1974، مات خلالها ما يقرب من 2 مليون نسمة. ابتليت مصر بوجودها بجانب إسرائيل، فنتج عن ذلك عدد من الحروب وخسارة حوالى 20 سنة أيضاً.
وفقاً لمنظمة التجارة العالمية (WTO)، فى عام 2001 صدرت فيتنام بـ15 مليار دولار، بينما مصر صدرت بـ4 مليارات دولار. أى كان الفرق 11 مليار دولار. تقدمت فيتنام وتقدمت مصر، أيضاً، ولكن بسرعات مختلفة، وأصبح الطفل الذى كان عمره عاماً واحداً فى ذلك الوقت يقارب من دخول الجامعة، ويفكر فى مستقبله وفرص العمل، ويبنى أمله فى حياة سعيدة فى بلده.
وصلت مصر فى عام 2010 إلى 26 مليار دولار، بينما تقدمت فيتنام إلى 72 مليار دولار، واتسع الفرق فى عام 2010 إلى 46 مليار دولار. ثم جاءت الثورة فى مصر، وتوقف نمو الاقتصاد المصرى، بينما ظلت فيتنام تتقدم.
ففى عام 2013، وصلت فيتنام إلى 132 مليار دولار صادرات، بينما توقفت مصر عند 28 مليار دولار صادرات، وأصبح الفرق 104 مليارات دولار.
أما فى 4 سنوات فظل الفرق يتسع، ووصلت فيتنام إلى 254 مليار دولار صادرات سنوية فى عام 2017، وفقاً لموقع الخريطة التجارية trade map، بينما مصر استقرت عند الـ28 مليار دولار، واتسع الفرق إلى 226 مليار دولار.
لكى لا تصابوا بالإحباط، فهذا النمو للصادرات ليس طبيعياً، وهو الأسرع فى العالم. وله أسبابه: خوف أمريكا من الصين، وبالتالى المساعدة على تنمية اقتصاديات بديلة فى المنطقة نفسها (فيتنام، تايلاند، والآن كوريا الشمالية)، استغلال الصين الفرصة، وضخ استثمارات هائلة هناك، استفادة حكومة فيتنام من تجربة نمو الصين وتكرارها فى فيتنام.
فيتنام تقدمت؛ لأنها استخدمت الخطة نفسها التى اتبعتها الصين: الاعتماد الرئيسى على الصناعة التصديرية، وتوفير موارد الدولة كلها لهذا الهدف. ما معنى ذلك؟ معناه إنشاء مناطق صناعية مرفقة وبها مبانٍ جاهزة للإيجار (300 منطقة صناعية)، إنشاء الطرق والبنية التحتية التى تخدم المناطق الصناعية، إعطاء حوافز خاصة للشركات التى تسهم فى زيادة الصادرات (مثل حوافز شركة سامسونج فى فيتنام)، وغير ذلك الكثير.
حكومة فيتنام فهمت الخطة الصينية: زيادة إيرادات الدولة أولاً؛ لكى نستطيع بعد ذلك الصرف على التعليم، والصحة، والبنية التحتية.
وزيادة إيرادات الدولة تتم عن طريق الصناعة والصادرات. والصادرات تتحقق عندما تجد الشركات ميزة فى الاستثمار فى هذا البلد عن بلد آخر. وبالتالى الدولة التى تنجح هى التى توجه كل مواردها القليلة إلى خدمة تطوير الصناعة والصادرات (مثل بنية تحتية للصناعة، تدريب العاملين فى قطاع الصناعة وغير ذلك).
فيتنام والصين وضعتا أهدافاً تصديرية، وعملت القيادتان فى هاتين الدولتين على تحقيقها.
القيادة لا بد أن تضع أمامها أين الصادرات الآن فى كل قطاع؟ وأين تريد أن تصل بعد 10 سنوات؟ وما الخطة لتحقيق ذلك؟
القيادة هى المسئولة وليس وزارة الصناعة والتجارة أو الاستثمار؛ لأن الدول النامية لا تتقدم بفكر وزارة أو أخرى، ولكن تتقدم عندما تقتنع القيادة بضرورة تنفيذ هدف محدد، وبالتالى تضع كل قوات الدولة المحدودة وراء ذلك الهدف.
نريد أن نعمل بخطة لتحقيق 150 مليار دولار صادرات بعد 15 عاماً من الآن (نفس حجم صادرات تركيا الآن أو %70 من صادرات ماليزيا أو تايلاند) لكى نفتح باب الأمل أمام الطفل الذى عمره الآن عام واحد فى مصر.
كاتب المقال : خبير استثمار وادارة اعمال