بقلم / فاطمة الزهراء أحمد
المؤسس والمدير التنفيذى لشركة مياكمز
لقد شهدت العلاقات العامة فى مصر العديد من التغيرات الجوهرية خلال السنوات الأخيرة، خاصة بعد أن أصبحت تخصصاً مهنياً مستقلاً بذاته ومعترفاً به عند غالبية القطاعات الاقتصادية فى السوق المحلى، ولكن ما هى العوامل التى أدت لبزوغ العلاقات العامة كتخصص لا غنى عنه لخدمة المؤسسات والشركات خلال السنوات العشر الأخيرة؟
بالتأكيد كانت هناك العديد من الشركات التى تعمل فى هذا المجال قبل ثورة يناير 2011، إلا أننى أعتقد أن الثورة كانت نقطة التحول الرئيسية للعلاقات العامة فى مصر، فخلال 18 يوماً فقط هى عمر ثورة يناير، والتى تم خلالها قطع خدمات الانترنت والاتصالات المحمولة، أدرك المصريون بشكل فعلى أهمية الاتصالات، أهمية المعلومات وتدفقها، أهمية الخبر والصورة وخطورة غيابهما من حياته.
ففى هذا الوقت تحديداً، فقدت الشركات والمؤسسات الخاصة والعامة قدرتها على التواصل مع المجتمع ومع العاملين فيها، نظراً لكثرة الشائعات وانتشار الإضرابات العمالية وغياب آليات حقيقية ومتكاملة لإدارة أزمة الاتصالات. لقد كانت مصر بالكامل وقتها فى حاجة ماسة للعلاقات العامة على المستويين الكلى والجزئى، ومنذ ذلك التاريخ أيضاً أدركت الشركات المصرية أيضاً أهمية العلاقات العامة كنشاط يمكنه توصيل الرسالة الصحيحة عن الشركات بشكل يقضى على كل الشائعات التى وجدت مرتعاً خصباً خلال الثورة وما بعدها.
أما النقطة الثانية التى ساهمت فى زيادة وعى المصريين بأهمية العلاقات العامة فتمثلت فى التقدم الهائل فى مجالى تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، فلو نظرنا للعديد من شركات العلاقات العامة، سنجدها فى الحقيقة «شركات مصغرة للاتصالات»، وهى الترجمة المباشرة لمصطلح Communications. أن ذلك يعنى ببساطة أنّ أى تطور فى تكنولوجيا المعلومات والاتصالات له تأثير إيجابى ومباشر على العلاقات العامة، وهو ما حدث بالفعل، ففى السنوات العشر الأخيرة، شهد قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات تطورات هائلة، فكل مصرى الآن لديه هاتف محمول، وأغلب المنازل سواء فى المدينة أو الريف أو الصحراء بها كمبيوتر شخصى أو لاب توب أو تابلت، ناهيك عن الحسابات الشخصية على فيسبوك أو تويتر أو انستجرام أو لينكد إن أو واتس آب، أن ذلك يعنى ببساطة تعظيم قدرة شركات «الاتصالات» أو العلاقات العامة فى الوصول إلى الجميع بأكثر من طريقة سهلة وإرسال رسائل إعلامية خلال زمن قياسى وبصورة أكثر بساطة.
لقد ساهمت تكنولوجيا العصر الرقمى فى بزوغ أهمية مواقع التواصل الاجتماعى كجزء لا يتجزأ من قنوات الاتصالات الإعلامية التى تستخدمها العلاقات العامة، بعد أن كانت قنواتها تقتصر فقط على المطبوعات والقنوات التلفزيونية ومحطات الإذاعة المختلفة، أن المرونة التى توفرها وسائل التواصل الاجتماعى وما تنقله من أخبار وصور وفيديوهات تنتشر بسرعة هائلة خلال دقائق، يمثل نقطة تحول رئيسية فى مجال العلاقات العامة خلال السنوات الماضية، حيث تغيرت رؤية المواطن للهواتف الذكية من أداة تقليدية للتواصل مع الأصدقاء لأداة شاملة للاتصال بالعالم بلمسة واحدة.
ومع انتشار وسائل الاتصال المتطورة فى مصر، إلا أنّ مجال العلاقات العامة مازال يواجه العديد من التحديات فى مصر لم تتح له التطور بنفس السرعة، وذلك بسبب عاملين رئيسيين هما: مستوى الوعى بممارسات وأهمية العلاقات العامة بين الشركات المصرية فى جميع المجالات الاقتصادية، وانضمام الكثير من «غير المتخصصين» للعمل فى هذا المجال مع قلة المهارات والكوادر الفنية المدربة والمؤهلة للعمل ب، فمجال العلاقات العامة هو علم له أصول ومبادئ وممارسات تتبع على مستوى الشركات العالمية وليست فقط خبر صحفى للنشر الفورى.!
وعلى الرغم من الزيادة النسبية لأهمية العلاقات العامة بين الشركات المصرية، إلا أن شركات مصرية كثيرة مازالت تنظر لهذا المجال على اعتباره نوعاً من الترف، ووجهاً من أوجه الانفاق الزائد عن الضرورة، أو شكلاً من أشكال «الوجاهة المؤسسية» التى تتباهى بها الشركات أمام منافسيها، وللأسف لا تدرك هذه الشركات أهمية العلاقات العامة إلا عند حدوث أزمة ناتجة عن كلمة خاطئة أو تصريح غير لائق أو رقم غير صحيح أو معلومة غير دقيقة تم تناولها فى الإعلام وفى الحقيقة، لا تظهر أهمية العلاقات العامة فقط عند حدوث الأزمات، ولكنها تمتلك القدرة منذ البداية على منع حدوث أزمة من خلال ما تقوم به من ممارسات محترفة تضمن توصيل الرسائل الإعلامية الصحيحة للفئة المستهدفة فى التوقيت الصحيح ومن خلال قناة الاتصال الصحيحة، أن مفهوم الاتصال المؤسسى لم يعد ترفاً ولا وجاهة مؤسسية ولا بنداً زائداً من بنود ميزانيات الشركات، ولكنها فى الواقع واحدة من الأنشطة الرئيسية لتحقيق التواصل الصحيح والفعال بين المؤسسة وجمهورها وعامليها وصانعى القرار وأصحاب المصالح وجماعات الضغط المجتمعى والمنافسين وغيرهم من فئات المجتمع.
أما العامل الثانى الذى يعيق تطور العلاقات العامة فى مصر فيتمثل فى دخول العديد من «غير المتخصصين» للعمل فى هذا المجال، وأقصد بغير المتخصصين هنا من شركات ناشئة لا تمتلك الأدوات ولا الكوادر المؤهلة للقيام بدور حقيقى داعم للعملاء، كما تعامل البعض مع تناول الأخبار بصورة فردية على أنها الغاية القصوى من إبراز الحدث وهذا أمر آخر.
وهنا تبرز أهمية صياغة «ميثاق عمل لمهنة العلاقات العامة» فى مصر، أو تأسيس «رابطة أو نقابة للعاملين فى مهنة العلاقات العامة» من الشركات الناشئة بالفعل بعد مرور خمس سنوات على الأقل من إنشائها، أن وجود هذا الميثاق المماثل لميثاق العمل الإعلامى من شأنه تقنين آليات العمل والمتطلبات المهنية والاحترافية الواجب توافرها فى كل من يعمل فى هذا المجال، حتى نقطع الطريق على الدخلاء والراغبين فى تحقيق مكاسب مالية على حساب سمعة المهنة، وبشكل يسىء لباقى المحترفين.
ولا يقتصر دور مياكمز كشركة للاستشارات الإعلامية على تقديم مستوى إعلامى راقى لخدمة جميع العملاء، ولكننا نلعب أيضاً دوراً فاعلاً فى الترويج لأفضل الممارسات المهنية فى مجال العلاقات العامة وتدريب الكوادر الشابة على آليات ومهارات العلاقات العامة وصقل مهاراتهم الشخصية لتتناسب مع طبيعة هذه الوظيفة، فى إطار جهودنا الداعية لتأسيس رابطة وطنية للعلاقات العامة تكون نواة لإقامة كيان رسمى يضم كل العاملين فى هذا المجال الهام.
لقد أدركت الحكومة الدور المحورى الذى يلعبه رواد الأعمال الشباب فى دعم الخطط التنموية للدولة، وهو ما حفزها على تشجيع الشباب من رواد الأعمال لإطلاق شركاتهم الخاصة، بما يساهم بشكل رئيسى فى زيادة فرص العمل بالسوق المصرى بصورة ملحوظة خاصة على مستوى الشركات متناهية الصغر، أن هذه الشركات توفر العديد من الفرص التدريبية، وتعمل بدورها كحاضنات أعمال للمواهب الصغيرة والشابات المصريات كى يسرن فى نفس الطريق. ومن المبادرات الهامة التى انطلقت مؤخراً فى هذا الإطار، والتى أتمنى تعظيم الاستفادة القصوى منها، مبادرة «فكرتك شركتك» التى أطلقتها وزارة الاستثمار، وأدعوا الحكومة إلى التعاون مع العديد من جمعيات الأعمال الدولية لخلق حاضنات فى جميع المجالات وليس قطاع الاتصالات فقط مما يعمل على تشجع رواد الأعمال من الشباب على تأسيس شركاتهم الخاصة وتمثل هذه المبادرات بيئة خصبة لاحتضان رواد الأعمال وصقل مهاراتهم وإعداد جيل جديد من القادة للمستقبل، كما أتمنى أن تشجع الحكومة الشركات الناشئة من خلال منحها إعفاءات ضريبية خلال أول 5 سنوات، للانطلاق دون أعباء خلال سنوات التأسيس والانتشار فى السوق.
لقد احتفلنا فى مياكمز هذا العام بمرور 10 سنوات على تأسيس شركتنا، وهو ما يواكب احتفال جريدة البورصة بتأسيسها قبل 10 سنوات أيضاً. ولهذا أتقدم بخالص التهانى لجريدة البورصة، وأتمنى أن نساهم فى إحداث تغييرات كبيرة وإيجابية خلال الفترة القادمة كلٌ فى مجاله.