دارت أحاديث كثيرة، مؤخراً، حول كيفية تأثير العقوبات الاقتصادية على اقتصاد كوريا الشمالية، وجلوس زعيم البلاد «كيم جونغ أون» على طاولة المفاوضات.. لكن على عكس توقعات الخبراء فى الشئون الدولية، يبدو أن اقتصاد كوريا الشمالية مستقر تماماً.
وقال البروفيسور والخبير الاقتصادى الأمريكى الشهير «ستيف هانك»، فى مقال تداولته مجلة «فوربس» الأمريكية، إنه فى الوقت الذى يصعب فيه الحصول على بيانات اقتصادية يمكن الاعتماد عليها حول المملكة المتقوقعة على نفسها، هناك بيانات موثوقة حول الأسعار الرئيسية، التى بمجرد خضوعها لتفسير صحيح، تقدم نظرة ثاقبة حول أداء الاقتصاد.
وتمتلك كوريا الشمالية سوقاً سوداء نشطة؛ حيث يتم تقديم تقارير منتظمة حول سعر الوون الكورى الشمالى بالنسبة للدولار الأمريكى، وهناك أيضاً سوق سوداء للأرز، الذى يعد أهم غذاء فى كوريا الشمالية، ويتم أيضاً تقديم تقارير منتظمة حول أسعار الأرز فى السوق السوداء، ومن خلال هذه الأسعار، يمكن كشف الستار السرى الذى يحوم حول اقتصاد كوريا الشمالية.
وفى عام 2009، حاولت الحكومة الكورية الشمالية التصدى للتضخم المفرط من خلال تنفيذ برنامج صورى لإصلاح العملة، الذى سرعان ما فشل، ولكن هذه الخطوة، التى كانت تسمى إصلاحاً، كانت فى الواقع مجرد برنامج لإحلال العملة.
ومُنح شعب كوريا الشمالية مهلة تقل عن أسبوعين لتبديل كل ما يمتلكونه من عملة الوون بالأوراق الجديدة، وليس من المدهش على الإطلاق إثارة برنامج إصلاح العملة غير المتقن حالة من الذعر فى السوق السوداء التى يتم فيها تداول الوون الكورى الشمالى والأسواق السوداء الأخرى للسلع والخدمات. ففى الواقع، انهارت قيمة الوون مقابل الدولار، كما ارتفع سعر الأرز.
وفى ظل هبوط الوون ارتفع التضخم، إذ أظهرت الدراسات، التى أجراها «هانك»، أنَّ حلقة التضخم المفرط بدأت فى ديسمبر عام 2009، وتجاوز معدل التضخم الشهرى 50% فى الشهر، ووصل إلى ذروته فى شهر مارس 2010 عند 926%. وعندما تولى جونغ أون حكم البلاد فى عام 2011، كان الاقتصاد فى حالة كارثية، ولكنه سعى فوراً لتطبيق سياسات حاسمة لتحقيق الاستقرار فى قيمة الوون الكورى الشمالى والأسعار والاقتصاد. فبدلاً من محاولة اتباع برنامج إصلاحى آخر لنظام العملة المدمرة، اتبع نهجاً يمكن تسميته «سياسة التجاهل الحميد»، فقد سمح بالتحول الحر إلى التعامل بالدولار، وأصبح اليوان الصينى والدولار الأمريكى عملتين متواجدتين فى ساحة البلاد، كما سمح الزعيم الكورى الشمالى لأجزاء كبيرة من الاقتصاد بالخصخصة تلقائياً.
وفى ظل الضغط الناجم عن فرض العقوبات الدولية، وضعت حكومة كوريا الشمالية مجموعة متنوعة من الاستراتيجيات اللازمة لتجنب الضغط الناجم عن تلك العقوبات.
وقال الخبير الاقتصادى الأمريكى، إنَّ التحول نحو الدولار والخصخصة ساعد الاقتصاد على تسجيل أداء أفضل بكثير مما قد يصدقه الخبراء فى الشئون الدولية، واستقر سعر صرف اليوان أمام الدولار منذ 2012، كما ظلت أسعار الأرز مستقرة منذ العام ذاته، وهو ما بدوره يشير إلى أن شبح التضخم لا يبدو وكأنه يطارد كوريا الشمالية.. لذا، ربما يكون اقتصاد كوريا الشمالية، الذى يعد شأنه أمراً سرياً إلى حد كبير، أكثر مرونة وفى وضع أفضل مما يؤكده الخبراء، وإذا كان الأمر كذلك، فإنَّ كيم جونغ أون يمتلك أوراقاً للعب بشكل يفوق توقعات الخبراء.