بقلم: ديفيد بايلينج
محرر مختص بشئون إفريقيا فى صحيفة «فاينانشال تايمز»
فى عام 1957، عندما أصبحت غانا أول دولة إفريقية تفوز باستقلالها، كان يسكنها 6.5 مليون غاني، وكان يعيش فى منطقة أفريقيا جنوب الصحراء حوالى 200 مليون شخص، واليوم تضاعف سكان غانا أربعة أضعاف إلى 29 مليون نسمة، وتضاعف سكان إفريقيا جنوب الصحراء خمسة أضعاف إلى مليار شخص، وهذه مجرد البداية نظرا لأن إفريقيا على أعتاب انفجار سكانى غير مسبوق.
وإذا سألت أى شخص عن أكثر الاتجاهات أهمية فى تشكيل ملامح العالم، فسوف يقولون التغير المناخي، وصعود الصين، وإمكانات الذكاء الاصطناعي، وتعزز النزعات القومية، وسوف يذكر قليلون الزيادة الهائلة فى سكان قارة يغفل عنها كثيرون.
ولكن لن يبقى الحال على ما هو عليه، فالسكان فى أوروبا والأمريكتين توقفوا عن النمو، وسوف يصل سكان آسيا إلى ذروتهم عند حوالى 50 مليار نسمة بحلول 2050، وخلال القرن القادم، سوف تكون معظم الزيادة فى السكان فى العالم فى إفريقيا.
وتقدر الأمم المتحدة أن عدد الأفارقة سوف يتضاعف فى 30 عاما إلى 2 مليار ثم يتضاعف على الأقل مجددا إلى 4 مليارات فى نهاية القرن، وإذا استطاع كل هؤلاء الأشخاص الجدد إيجاد وظائف وفرص، سوف يتحول النمو العالمى تدريجيا تجاه إفريقيا.
أما إذا لم يتمكنوا من ذلك، وهو سيناريو محتمل بنفس القدر، فسوف تصبح إفريقيا بؤرة لعدم الاستقرار واليأس، وستتفاقم مشكلة نقص الطعام بسبب التغير المناخي، وسوف تزداد وتيرة النزاعات مثل تلك التى بين الرعاة من قبيلة الفولانى والمزارعون فى نيجيرا، والتى أودت بحياة الآلاف، مع تزايد الصراع على الأرض والموارد، ومن المتوقع أن يتضاعف عدد سكان نيجيريا وحدها، الذى كان يبلغ 45 مليون نسمة عند الاستقلال وأصبح 180 مليونا الآن، مجددا بحلول 2050 متجاوزا سكان الولايات المتحدة.
ويبلغ العمر عاماً فى منطقة إفريقيا جنوب الصحراء 19.5 مقارنة مع 38 فى أمريكا و43 فى أوروبا و47 فى اليابان، وفى عام 1960، كان تقريبا واحدا فى كل 10 أشخاص فى العالم إفريقيا، وبنهاية القرن سيكون الرقم اكثر من واحدا فى كل ثلاثة.
ويجادل البعض بأن ذلك هو نعمة سكانية لإفريقيا، وكما فعلت آسيا من قبل، سوف تحصد إفريقا الثمار فى شكل نمو مرتفع وصعود فى المستويات المعيشية، ولكن هذا سوء فهم لمعنى النعمة السكانية، فإذا كان الأمر يتعلق بمجرد إضافة الأشخاص لكانت إفريقيا غنية بالفعل.
والمعنى الحقيقى للنعمة السكانية هو التراجع فى معدل الاعتمادية أو الارتفاع فى عدد السكان فى سن العمل مقارنة بالسكان الأصغر والمتقاعدين، ووفقا لهذا المقياس، فإن إفريقيا ليس لديها أى نعمة على الإطلاق، وإنما لديها عجز متنامٍ، وفى معظم أجزاء العالم يشكل السكان فى سن العمل (15-64) حوالى %60 إلى %70 من الإجمالي، وفى إفريقيا %54 فقط.
والسبب فى ذلك أن معدل الخصوبة لم ينخفض بنفس سرعة المناطق الأخرى، وفى عام 1960، كانت النساء فى الدول النامية لديها أكثر من 6 أطفال للمرأة الواحدة، وهذا تراجع بحدة فى العقود اللاحقة، وفى منتصف التسعينيات، أصبح المعدل 3 فى أمريكا اللاتينية و2.2 فى شرق آسيا، أما فى إفريقيا، فالمعدل لا يزال مرتفعا بحدة ومتراجعا بشكل طفيف من 5.9 فى منتصف التسعينيات إلى 4.85 اليوم.
والأسباب ليست واضحة، وربما أحدها نقص استخدام وسائل منع الحمل، والتى تستخدمها امرأة واحدة من بين 5 نساء إفريقيات، وتظهر استطلاعات الرأى أن المرأة الإفريقية عادة تريد أطفالا أقل مما لديها فعليا، ولكن لا يزالون يفضلون العائلات الكبيرة، وفقا لجون بوجارتس، من «بوبيولايشن كاونسل» وهى منظمة غير ربحية متخصصة فى الصحة الإنجابية.
وحث السكان على تحديد النسل هو أمر خلافي، ففى الهند فى السبيعينيات كانت هناك برامج تعقيم إجبارية مخيفة ووليدة الاعتقاد بأن الفقراء كانوا ينجبون أطفالا كثر، وفى إفريقيا، يجادل البعض بأن القارة لا تزال تعانى من قلة عدد السكان بالمعايير الأوروبية والآسيوية، ويقول آخرون إن التخويف من انفجار سكانى يحمل بعض المخاوف العرقية.
وهذه المجادلات مفهومة، ولكنها مضللة، ويشير نمو آسيا بشدة إلى أن أفضل طريقة لتحسين حياة السكان هو من خلال تقليص معدل الخصوبة وبجانبه معدل الاعتمادية، ومع وجود أطفال أقل يقلق الوالدان بشأنهم، يمكن أن يخصصوا المزيد من الوقت والموارد للتغذية والتعليم وتقديم الفرص لمن لديهم.
وسوف يفعل القادة الأفارقة خيرا بعدم قيامهم بافتراضات لا مبالية بشأن الفوائد الاقتصادية المفترضة للنمو السريع لعدد سكانهم، فهم يحتاجون إلى سياسيات سواء فى الريف أو فى المدن المتضخمة للمساعدة فى استخدام قوتهم العضلية المتزايدة استخداما بنّاء، وأن يضمنوا أن العمالة المحتملة لا تتحول إلى شباب غاضب وساخط. ومن الأهمية بمكان كذلك أن يخفضوا معدلات الخصوبة ليس فقط جبريا وإنما من خلال تحسين أنظمة التعليم والصحة وتمكين المرأة، وبعد كل شيء، ما قد يكون مضرا فى اتباع هذا النهج؟
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية