أطلق رجل الأعمال الكندى الأمريكى ذو الأصول الجنوب أفريقية إيلون ماسك مؤخراً تغريدة أثارت الكثير من الاهتمام على مستويات مختلفة ودفعت سهم شركته وهى أكبر شركة متخصصة لصناعة السيارات الكهربائية فى العالم إلى مستويات قياسية جديدة لدرجة استدعت تدخل الهيئة الأمريكية للرقابة على الأوراق المالية والتى فتحت تحقيقاً فيما قد يكون من وجهة نظرها محاولة للتلاعب بقيمة الشركة وأسهمها المقيدة بمؤشر داو جونز لبورصة نيويورك.
وذكر ماسك فى تغريدته المثيرة للجدل أنه وجد مستثمرين على استعداد لضخ مبالغ مالية ضخمة لن تقل بين 25 إلى 30 مليار دولار أمريكى لشراء الأسهم حرة التداول وتحويل ملكية الشركة إلى الملكية الخاصة وشطبها من وول ستريت.
وعند السؤال عن هوية هؤلاء المستثمرين ظل ماسك يغلف نفسه فى الصمت لبضعة أيام قبل أن يصرح بأن الجهة التى يعنيها هى الصندوق السيادى السعودى الذى تبلغ أصوله حوالى 700 مليار دولار ويتوقع خبراء وصوله إلى 1.8 تريليون حال طرح شريحة من «أرامكو» فى البورصة السعودية.
وبعيداً عما اتضح فيما بعد من أن مفاوضات ماسك مع الصندوق السيادى السعودى لا تتعدى كونها مفاوضات مبدئية قد لا تكتمل حلقاتها أصلاً إلا أن وجود مثل هذه المفاوضات أصلاً له فى حد ذاته دلالات قوية على سياسات محمد بن سلمان – الحاكم الفعلى للمملكة – وتوجهات الدولة السعودية ورؤيتها لنفسها ودورها العالمى والإقليمى على المديين المتوسط والبعيد.
لقد فهم ولى العهد بالقطع عدم استدامة الاقتصاد النفطى، أى المرتكز على البترول وحده، إلى مالانهاية وأدرك بالتالى أنه يجب إعادة هيكلة الاقتصاد السعودى بشكل جذرى وأنها إن أرادت أن تحيا فى عالم متغير يجب أن تتوفر لها القدرة على لعب دور محورى فى سوق الطاقة العالمى أى كان شكله المستقبلى.
ولذا لا أتعجب كثيراً حينما أسمع أو أقرأ عن دخول كيانات سعودية أو أفراد سعوديين مقربين للعائلة الحاكمة فى مشروعات توليد الطاقة من الرياح أو الشمس، أى أنهم فى الواقع يستثمرون أموال البترول فى إيجاد وتحسين كفاءة بدائل للاستغناء عنه أو على الأقل التحكم فيها. وعليه تحتمل محاولة السعودية الاستحواذ على تسلا أو على الأقل اهتمامهم بها تفسيران:
1.) أن المملكة تريد كبح جماح تطوير السيارة الكهربائية حتى لا تنتشر بما قد يقلل بشكل ملحوظ من الطلب العالمى على البترول وأن مخططها هو التقليل من إنتاج هذا النوع من المركبات إلى أقصى درجة ولأطول فترة ممكنة وإن كان ظنى الشخصى هو أن هذا الاحتمال ساذج بعض الشئ ومستبعد موضوعياً بدرجة كبيرة لأن تسلا – وإن كانت لاعباً رئيسياً فى سوق السيارات الكهربائية – ليست المُطور الوحيد، بل يشاركونها فى ذلك عمالقة صناعة السيارات حول العالم مثل تويوتا وفولكس فاجن وحتى مرسيدس التى أصبحت السيارات الثنائية Hybrid Cars جزءا رئيسيا من إنتاجها وسرعان ما ستتحول إلى سيارات كهربائية بالكامل بمعنى أن التحكم فى تسلا وحدها لن يوقف مسيرة السيارة الكهربائية.
2.) أن السعوديين يعلمون جيداً أن عصر سيارات الوقود الأحفورى بكافة أنواعه قد أوشك على الانتهاء ولن يكون له وجود تقريباً بحلول عام 2040 على أقصى تقدير وأن دخولها منذ الآن فى مجالات الطاقة البديلة سيحجز لها مكاناً متميزاً بها مستقبلاً حتى لو كان آخرين سيشاركونها فى ذلك، فهى ليست المنتج الوحيد للبترول اليوم ومن ثم لن يضيرها كثيراً ألا تكون المنتج الوحيد لمصادر طاقة أخرى مادامت ستأخذ جزء من كعكتها يماثل أو حتى يقترب من نصيبها الحالى فى سوق البترول.
والاحتمال الثانى هو الأكثر واقعية فى تقديرى ورغبة الصندوق السيادى السعودى فى شراء جزء كبير من شركة مثل تسلا تعبير غاية فى البلاغة عن هذا التوجه، خاصة أنه يحاول فعل ذلك ليس عبر شراء الأسهم من البورصة مباشرة وهو كان أمراً يسهل فعله ولكن عبر شراء أجزاء من الشركة نفسها وخروجها من سوق الأوراق المالية حتى لا يكون هناك إجبار على الالتزام بقواعد وضوابط وول ستريت وفى مقدمتها شروط الإفصاح بما قد يجبرها على الكشف عن كافة خططها مبكراً ويعرضها للمساءلة من قبل الجهات الرقابية كما يحدث مع تسلا نفسها الآن، الأمر الذى سيكون غاية فى الصعوبة، بل مستحيل بالنسبة لثالث أكبر صندوق سيادى فى العالم من بعد صندوقى الصين والإمارات العربية المتحدة.
وبما أننا دخلنا بالفعل عصر كروت شحن الكهرباء مسبقاً الدفع، يظهر أنه علينا أيضاً الاستعداد من الآن لكروت شحن الطاقة التى تزينها صورة خادم الحرمين الشريفين وتُدفع قيمتها بالريال.
بقلم: محمد شيرين الهوارى
خبير فى الاقتصاد السياسى