اقتصادنا يا تعبنا.. الحلقة 89
فى مرحلة إعداد رسالة الماجستير خاصتى خلال الفترة 2006-2010 عن صناعة المنسوجات والملابس وما يؤثر على استثمارات هذه الصناعة وتجارتها وما يعوق نموها من تحديات ومشكلات… وحينها كانت محلات الموبايلات وسواقة التوكتوك تلقى رواجا وتجتذب العديد من الناس .. وحيث اننى كنت حينها أسعى للدقة دوما فى الكتابات العلمية وربطها بالجانب التطبيقى.. عقدت العديد من اللقاءات مع أصحاب الشركات أو الأعضاء المنتدبين لها حينها فى مختلف قطاعات الغزل والنسيج والملابس فى مختلف محافظات مصر.. للوصول إلى استراتيجية للنهوض بالصناعة حينها.. فكان من القضايا والمشاكل التى تؤثر على الصناعة العمالة.. حيث إن العمالة التى يتم تدريبها حينها تهرب من المصانع لتعمل فى محلات الموبايلات أو على التكاتك.. لكونها لا تحتاج التزاما ولا تتطلب أوراقا وفيش وتشبيه وغيره بالإضافة إلى أنها تدر دخلا أكبر وأسرع عليهم، كما أن مرونة ساعات العمل فيها تجعلهم يتركون العمل فى المصانع.. وهو ما يجعل دوران العمالة الفنية سريعا وبمعدلات كبيرة.. بالإضافة إلى ضعف إنتاجيتها مقارنة بالعامل الآسيوى.
واليوم اعود للكتابة عن موضوع التوكتوك بعد انتشاره الرهيب دون تقنين أو ترخيص.. وبعد انتشار معدلات الجريمة والبلطجة من خلاله وكذلك كسر كافة قواعد المرور من قبل سائقيه.. الذى يتراوحون بين صغير (اطفال وشباب صغير السن) وكبار.
فإن كان هناك ايجابيات للتوكتوك فآثاره السلبية على الاقتصاد حاليا وخيمة.. إن لم يتم تقنينه وترخيصه ووضع قواعد صارمة لكيفية تسييره وشروط وضوابط صارمة لسائقيه.. فاذا كان من الايجابيات أنه خلق فرص عمل عديدة لتصرف على بيوت معظمها من الطبقة الفقيرة.. وأنه أتاح وسيلة نقل فى مناطق نائية أو الأحياء الشعبية او مناطق ريفية داخل القرى فى وقت لم تكن تتمتع هذا المناطق بوسائل نقل داخلية لاسيما فى الشوارع الضيقة من اتساع هذا المناطق عمرانيا وسكانيا..
وفجأة ومع تزايد الطلب عليها تحولت شركات عديدة لاستيراد التكاتك ومنها إحدى الشركات الشهيرة فى مجال سيارات الركوب والتى بدأت مؤخرا فى تجميعه الى درجة إنها أيضا أسست شركة منفصلة لتقديم قروض صغيرة ميسرة لشرائه.
فإذا كان استيراده مقننا.. لماذا لا يتم تقنينه وترخيصه ووضع قواعد لتسييره وإصدار رخص قيادة لسائقيه.. وهو مورد مالى للدولة ليس بالهين.. كما أنها جميعا تحصل على كمية تراكمية من البنزين كبيرة جدا.. فعلى سبيل المثال إذا كان هناك مليون توك توك فى مصر فانها ستستهلك إذا قلنا متوسط استهلاك التوكتوك الواحد يوميا من البنزين 10-15 لترا يوميا (10-15 مليون لتر يوميا) بسعر 6.75 سعر لتر بنزين 92 نتيجة عمله طوال اليوم ولصغر حجم التنك –وهنا اتكلم على الحد الأدنى- فإن حجم قيمة حجم الاستهلاك التراكمى 67.5-101.25 مليون جنيه فى اليوم .. تخيلوا فى سنة هيبقى كام.. (24.6-36.9 مليار جنيه سنويا) .. وهذا عبء استهلاكى رهيب على الوقود.. الذى تستورد الدولة الجزء الأكبر منه وتدعمه..
وعلى مستوى الإيراد إذا تم ترخيص التوك توك وبفرض ان لدينا مليون منها كما ذكرنا وبرسوم ترخيص 500 جنيه سنويا على سبيل المثال فإن حجم الإيراد سيكون (500 مليون جنيه سنويا “نصف مليار” تهدر سنويا دون تحصيل).. بالإضافة إلى وضع رسوم عبور له من محافظات لأخرى بين المحافظات.. بالإضافة إلى رسوم الرخصة الخاصة لقائده.. والتى يجب أن ترتبط بشروط أهمها السن وبفيش وتشبيه لكل من يركبه..
وإذا تم تقنين التوك توك وضبط تراخيصه ووضع شروط صارمة لتسييره وعلى من يركبه سوف تستطيع حينها الحد من الجرائم التى ترتكب باسمه (من سرقات وبلطجة وحوادث سير او اغتصاب..).. ومنع الأطفال من ركوبه.. وبالتالى تحصيل مخالفات تمثل إيرادات للدولة والحد من مشاكله التى تكلف الدولة أيضا نظرا لكثرة حوادثه وجرائمه.. فالحد من الجريمة من المنبع بتقنينه وترخيصه وقواعد تسييره له مردود كبير على ترشيد النفقات التى تنفق على بعد وقوع الجريمة ناهيك عن تحسين صورة مصر بخفض معدلات الجرائم التى تكتب باسمه.. بالإضافة إلى الحد من التلوث السمعى والضوضاء والعوادم السيئة التى يثيرها ليلا نهارا.. والحد من ظاهرة التسرب من التعليم تفضيلا للتوك توك لما يدره من دخل سهل وسريع دون عناء فى سن صغير يدفع العائلات الفقيرة إلى الاقتراض من أجل شرائه وتسريح أطفالها للعمل عليه.. أضف إلى ذلك السلوكيات السيئة لسائقية من شرب المخدرات والسجاير وتلويث البيئة المحيطة..
كما يسهل معرفة صاحب التوك توك من ترخيصه وبالتالى سهولة الوصول إلى مرتكب الجريمة فى وقت أسرع.. لذا لا بد من تقنينه ووضع ضوابط لترخيصه فى مصر وتحديد الأماكن الممنوع سيره بها فليس من المعقول وجوده فى المدن والمجتمعات العمرانية الجديدة ولا على الطرق السريعة والطرق الدائرية والإقليمية.. وتطبيق كافة قواعد المرور والغرامات عليه أسوة بغيره من وسائل النقل.. وتكون الرخص الممنوحة له سنويا فقط ورخص السياقه الخاصة به من سنة إلى 3 سنوات على الأكثر مع تحديد عمر افتراضى لتسييره.. حرصا على الأمن والسلامة والحد من انتشاره..
هذا التقنين سيكون له دور فى الحد من نموه ومن الجرائم التى ترتكب باسمه وتفريغ جزء من العمالة المتعلقة لصالح الأعمال الفنية التى تحتاجها المصانع والمشروعات الصغيرة والمتوسطة، كذلك تقليل عزوف فئة كبيرة عن إكمال مسيرة أهاليهم فى زراعة الأراضى التى تأثرت كقطاع الصناعة.. كما انه سيقلل من التسرب من التعليم سواء العادى او الفنى.. لا بد من الحد من انتشاره الرهيب لان عيوبه ومشاكله اكبر من منافعه بالبلدى كده .. كما انه ظاهرة غير حضارية.. وتضييق الخناق على انتشاره بالترخيص وقواعد واماكن تسييره والحد من استيراده تدريجيا (وهو ما يوفر الدولارات المخصصة لاستيراده) أصبحت من الأمور المهمة جدا.. لحين قيام الدولة بتوفير مواصلات نقل حضارية فى كافة المحافظات.. والتفكير فى إحلال وسائل أكثر ترشيدا للاستهلاك من الوقود واكثر حفاظا على البيئة.. ليكون استخدامه فى أضيق الحدود..
الموضوع متشعب ولكن ينبغى القاء الضوء عليه..من جديد مرة أخرى.. وها نحن فى 2018 بعد اكثر من 10 سنوات من مناقشتى للرسالة.. مازلنا نعاني من نفس المشكلة ولم نتخذ اجراءات فعلية تجاه كيفية تقنينها والحد من انتشارها وآثارها السلبية..
وما نبغى إلا إصلاحا وتوعية..