غياب الاستراتيجية يطيح بمكاسب التعويم فى “القطاع الصناعى”

«كابيتال إيكونوميكس»: التأخير فى وضع استراتيجية صناعية يؤجل طفرة القطاع

مصر تمتلك المؤهلات لكنها تفتقر إلى رؤية واضحة للتصدير.. والشركات تتجه للخارج استجابة للصدمات المحلية

«أكسفورد بيزنس»: الاستقرار الاقتصادى يدعم التطور الصناعى ويرفع الصادرات

وليد جاد: قانون الاستثمار يدعم المزايا النسبية الموجودة فى التصنيع المحلى

كريم صلاح الدين: الشركات متعددة الجنسيات أدركت مزايا اتخاذ مصر قاعدة تصنيعية

تعتمد الحكومة على القطاع الصناعى كمحور مهم ضمن خطة الإصلاح الاقتصادى، فى حين ترى مؤسسات بحثية دولية، أنَّ مصر قادرة على التحول لقاعدة صناعية للشركات متعددة الجنسيات.

ورهن متعاملون فى القطاع الصناعى المصرى تنمية السوق بالتوسع فى إنشاء المجمعات الصناعية وتوفير تسهيلات للمستثمرين المحليين والأجانب ومنح حوافز للصادرات.

وترى مؤسسة «كابيتال إيكونوميكس» للأبحاث والدراسات الاقتصادية، أن مصر لديها جميع المؤهلات لتصبح مركزاً صناعياً، بما فى ذلك تكاليف الأجور والتشغيل المنخفضة، والقوى العاملة الشابة والمتنامية، ووسائل النقل الجيدة.

وقالت المؤسسة، فى تقرير حديث لها، إن التأخير فى وضع استراتيجية صناعية واضحة يعنى أنه سيكون هناك بعض الوقت قبل تحقيق الطفرة الصناعية.

وضربت «كابيتال إيكونوميكس» مثالاً بالتقارير التى تفيد بأن الحكومة تخطط لإلغاء استراتيجية السيارات، وهو البرنامج الذى تأخر طويلاً لدعم القطاع، ما يخيب الآمال بأن تتمكن البلاد من ملاحقة المغرب بسرعة فى الاندماج بسلاسل التوريد الصناعية الأوروبية.

وأشارت إلى أنه تم طرح الاستراتيجية لأول مرة منذ أكثر من 3 سنوات، وكان من المتوقع أن يساعد المصنعين المحليين فى الارتقاء بسلاسل القيمة عبر مجموعة من الحوافز، بما فى ذلك الإعفاءات الجمركية وزيادة نسبة المكون المحلى.

تابعت المؤسسة: «واجهت الاستراتيجية معارضة كبيرة من البرلمان، وكذلك من مستوردى السيارات داخل البلاد، وتبحث الحكومة الآن عن بدائل، وتدرس إقامة مناطق حرة مماثلة لتلك الموجودة فى المغرب والذى يقدم بعض الإعفاءات الضريبية والاستثمارية».

وتبلغ استثمارات قطاع صناعة السيارات فى مصر 3 مليارات دولار، منها 1.6 مليار دولار فى صناعة السيارات، و1.4 مليار دولار بالصناعات المغذية يوفر 86 ألف فرصة عمل.

ويعمل فى القطاع 170 شركة، منها 19 شركة تقوم بتصنيع وتجميع السيارات بأنواعها والتى تشمل سيارات الركوب والأتوبيسات والميكروباص والمينى باص وسيارات النقل و150 شركة تعمل بتصنيع مكونات السيارات.

وسجل حجم السوق المحلى العام الماضى 100 ألف سيارة، 50% منها منتجة محلياً، فى حين أن صادرات قطاع السيارات والصناعات المغذية تخطت 700 مليون دولار.

وتعليقاً على التقرير، قال خبير اقتصادى لـ«البورصة»، إنَّ مصر تفتقر إلى رؤية واضحة للتصدير والشركات تتجه للتصدير فقط استجابة للصدمات المحلية، وتعود بسرعة إلى قاعدتها الكبيرة والمربحة.

أضاف أن الأمر استغرق بضع سنوات فقط بالنسبة لبلدان مثل المغرب لتصبح قاعدة صناعية للسيارات وفيتنام كذلك فى تصنيع الهواتف الذكية، والتخصص فى بعض الصادرات لتصبح ملائمة لسلسلة التوريد العالمية.

وأكد أن التركيز على التصدير يمكن أن يقلل من حاجة مصر للديون الخارجية ولن يؤتى ذلك ثماره إلا عبر التخصص.

وأدخلت مصر إصلاحاً جوهرياً على نظام التراخيص الصناعية العام الماضى، بهدف تخفيض فترة الحصول على رخصة إلى أسبوعين فقط بدلاً من نحو 600 يوم سابقاً، وذلك للصناعات غير الملوثة للبيئة، والتى تشكل غالبية المصانع.

لكن بعد شهور من التطبيق بدأت تظهر الشكاوى مجدداً، وجزء كبير منها يعود إلى البيروقراطية وضعف تدريب الموظفين الحكوميين على القواعد الجديدة.

وواجه القطاع الصناعى، خلال الأعوام الماضية، مشكلة نقص الأراضى المرفقة، وعملت الحكومة على حل المشكلة من خلال طرح ملايين الأمتار لشركات المقاولات لإمدادها بالمرافق اللازمة، كما توسعت فى طروحات الأراضى المرفقة للقضاء على قوائم الانتظار.

ومؤخراً طلب صندوق النقد الدولى من الحكومة إعداد نظام جديد لتخصيص الأراضى الصناعية ليكون أكثر شفافية من خلال إنشاء منصة إلكترونية تتم من خلالها كل العمليات المتعلقة بطروحات الأراضى الصناعية بدءاً من الإعلان عنها وانتهاء بالكشف عن العقود الفائزة.

لكن بالرغم من ذلك ما زالت هناك عقبات أمام الاستثمار فى القطاع الصناعى؛ أبرزها مستوى الفائدة المرتفع.

ورهنت مؤسسة «أكسفورد بيزنس جروب» فى تقريرها السنوى عن مصر، التطور الصناعى بتوافر الاستقرار الاقتصادى، الأمر الذى سيدعم الصادرات خاصة لدول جنوب الصحراء.

وقالت إن مصر قديماً كانت مركزاً لإنتاج سلع مثل ورق البردى والفخار، مشيرة إلى أن القطاع الصناعى مصدر مهم للتوظيف، ووفقاً لبيانات البنك الدولى لعام 2017، فإنَّ 25.3% من السكان المشتغلين يعملون فى الصناعة.

ونقلت المؤسسة عن وليد جاد، المدير التنفيذى لشركة «شندلر السويسرية للنقل»، قوله، إنَّ قانون الاستثمار الجديد يدعم المزايا النسبية الموجودة فى التصنيع المحلى مثل القدرة البشرية ومصادر الطاقة منخفضة التكاليف، وتوافر المواد الخام وزيادة الطلب المحلى، ما يسمح لمصر باستغلال أفضل لاتفاقيات التجارة الحرة وتعزيز الصادرات.

كما رصد التقرير اتجاه عدد من الشركات الأجنبية ومتعددة الجنسيات لاتخاذ مصر قاعدة تصنيعية لها مثل «جنرال إليكتريك»، و«إل جى» و«باناسونيك» و«سامسونج».

وفى فبراير الماضى، افتتحت شركة «مارس ريجلى العالمية للشيكولاتة» المرحلة الأولى لتوسعاتها الاستثمارية فى مصانع الشركة بمصر، بتكلفة 750 مليون جنيه، وشملت التوسعات إضافة خطى إنتاج لزيادة استثمارات الشركة فى مصر لتبلغ 2 مليار جنيه بنهاية 2018.

وقال كريم صلاح الدين، المدير العام لشركة كوكاكولا مصر، لـ«أكسفورد بيزنس»، إن الشركات متعددة الجنسيات فى قطاعات مختلفة أدركت مزايا اتخاذ مصر قاعدة تصنيعية لها، ما دفعها لتوسيع حجم أعمالها وتدشين مصانع جديدة.

وقالت منوش مهرا، المدير الإقليمى لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لدى شركة «آسيان بينت»، إن عدداً من العوائق يتم النظر إليها فى سبيل تحول مصر لمركز صناعة إقليمى وزيادة حصة التصنيع من إجمالى الناتج المحلى من 17.1% فى عام 2016 إلى 21% عام 2020 وخلق 3 ملايين وظيفة.

أضافت: «على الرغم من وجود خطط لزيادة الاستثمارات فى قطاع الطاقة سيؤدى انخفاض الدعم المالى للكهرباء إلى الضغط على الصناعات وزيادة تكلفة التصنيع».

وقالت «أكسفورد بيزنس جروب»، إن عام 2011 شهد تباطؤ نمو عدد من القطاعات خاصة السياحة، لكنَّ هذا لم يحدث مع صناعة البلاستيك.

وقال محمد طاهر، المدير التنفيذى لجمعية مصدرى البلاستيك، إن الصناعة تنمو بسرعة كبيرة خاصة فى العقد الماضى الذى شهد المزيد من الاستثمار ونشاط التصدير والقوى العاملة وبناء المصانع.

وساهمت صادرات المواد البلاستيكية والبتروكيماوية بنحو 20% من جملة الصادرات فى عام 2017، مقارنة بـ14% فى 2005، وتزامن ذلك مع ارتفاع عدد المصانع من 2490 إلى 3 آلاف مصنع وعدد الموظفين من 280 ألفاً إلى 600 ألف عامل فى 2016.

أضاف طاهر: «القطاعات الأسرع نمواً هى أنابيب الصرف البلاستيكية؛ بسبب نمو قطاع البناء كما تطور إنتاج السلع المنزلية والأثاث والتعبئة والتغليف».

وقال مجد المنزلاوى، عضو غرفة الصناعات الهندسية باتحاد الصناعات، إن الحكومة تتبع خطة للتوسع فى إقامة مجمعات صناعية لقطاع الصناعات المغذية لخفض الواردات الأجنبية والتكامل بين المصانع القائمة، خاصة عقب قرارات تنظيم الاستيراد التى أصدرتها وزارة التجارة والصناعة. أضاف أن التوسع بقطاع الصناعات المغذية سيسهم فى ارتفاع نسبة المكون المحلى بالأجهزة الكهربائية والذى لا يتجاوز نسبة 20%.

وتستهدف الحكومة الوصول بمعدل النمو الصناعى إلى 10.7% فى 2022 مقابل 6.8% حالياً، من خلال استقطاب مزيد من رؤوس الأموال عبر إقامة 13 مجمعاً صناعياً بإجمالى 4436 وحدة.

وقال أشرف الجزايرلى، رئيس غرفة الصناعات الغذائية باتحاد الصناعات، إن قطاع الصناعات الغذائية من القطاعات المتوقع لها جذب مزيد من الاستثمارات خلال الفترة المقبلة، بعد عودة الطلب على منتجاته مرة أخرى بدعم من تحرير سعر الصرف.

أضاف أن معدل نمو قطاع الصناعات الغذائية وصل إلى 9% العام الماضى مقابل 7% فى 2016، ومن المتوقع أن يصل إلى 12% مع نهاية 2022؛ لأن الاقتصاد بدأ مرحلة التعافى، ومن المفترض أن ينعكس ذلك على زيادة أجور العاملين التى تدفعهم إلى رفع معدلاتهم الشرائية.

وقال محمد المرشدى، رئيس جمعية مستثمرى العبور، رئيس غرفة الصناعات النسيجية باتحاد الصناعات، إن الحكومة يجب أن تواصل خطتها الإصلاحية من خلال تعديل التشريعات المنظمة للقطاع الصناعى، والاهتمام بالمشروعات الصغيرة والمتوسطة وتقديم حوافز للقطاع، بجانب حل مشاكل المصانع المتعثرة وإعادة تشغيلها.

أشار إلى أن قانون التراخيص الصناعية الذى أصدرته هيئة التنمية الصناعية قبل عام، وقانون الاستثمار، يسهمان إلى حد كبير فى جذب الاستثمارات المحلية والأجنبية على السواء.