لعدة قرون، كانت ضفاف نهر النيل موطناً للمزارع التى تنتج اﻷرز والقطن والقمح، ولكن يبدو أن اﻷمر تغير الآن، فقد تسبب نقص المياه، وتدهور التربة، والتلوث فى أزمة أدت إلى تقويض الزراعة فى دلتا نهر النيل، التى تكافح لدعم ملايين المزارعين الفقراء.
ووجد سكان الدلتا، أنه ليس أمامهم أى خيار سوى رى حقولهم باستخدام مياه الصرف الزراعى غير المعالجة والملوثة من المزارع السمكية التى تقع فى مناطق قريبة، وبالتالى اشتكى المزارعون أن تلك المياه تؤدى إلى حصاد أقل.
وقالت صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية، إنَّ اﻷمر الذى فاقم المشاكل هو تحول نهر النيل ليصبح محور التوترات الإقليمية منذ أن بدأت إثيوبيا فى تشييد مشروع لتوليد الطاقة الكهرومائية بقيمة 4.8 مليار دولار على النيل الأزرق، الذى يعرف بكونه مصدر معظم المياه المغذية لنهر النيل.
ومن المقرر أن يكون سد النهضة الإثيوبى الأكبر من نوعه فى أفريقيا، كما أنه المحور اﻷساسى لخطط إثيوبيا الطموحة للتنمية الاقتصادية، ولكن فيما يخص القاهرة، فهى تخشى تراجع مواردها المائية بالفعل بمجرد انتهاء أعمال تشييد السد.
وظهرت المشاكل فى دلتا النيل، منذ عقدين من الزمن، فقد أدى ارتفاع مستويات مياه البحر المتوسط إلى زيادة مستوى ملوحة المياه الجوفية والتربة، بجانب تسبب النمو السكانى فى زيادة الضغط على الموارد المائية الموجودة، بينما تسبب الإلقاء الجماعى للنفايات الصناعية فى قنوات الرى فى تلوث الممرات المائية.
وقال وزير الموارد المائية والرى محمد عبدالعاطى، مؤخراً، إنَّ ندرة المياه تفرض حدوداً على التنمية الاقتصادية فى مصر.
وأشارت الصحيفة إلى أن المزارعين الفقراء فى شمال الدلتا هم أول من يستشعرون تأثير ندرة المياه فى شكل انخفاض للإنتاجية.
وقال محمد غانم، الباحث فى معهد البحوث الزراعية، إنَّ دلتا النيل تعانى بالفعل أزمة مياه؛ نظراً إلى المشاكل البيئية القائمة، مؤكداً أن المزارعين يشعرون بهذه اﻷزمة، كما أن سد النهضة الإثيوبى يمكن أن يزيد اﻷمور سوءاً.
وتقع مصر فى مرتبة أدنى بكثير من التعريف المقبول دولياً للفقر المائى، والذى يحدد نصيب الفرد السنوى من المياه بمقدار 1000 متر مكعب أو أقل؛ حيث انخفض نصيب الفرد من المياه فى مصر إلى ما يقل عن 600 متر مكعب.
قال خالد أبوزيد، رئيس الشراكة المائية المصرية، وهى منظمة غير حكومية، إنَّ الأولويات هى الحفاظ على الموارد الحالية، وإيجاد طرق لمعالجة مياه الصرف الصحى؛ حتى يمكن إعادة تدويرها لأغراض الزراعة.
وأشار «أبوزيد» إلى وجود مشكلة وتحدٍ وتكلفة مرتبطة بهذه الفكرة؛ حيث سيزيد حجم مياه الصرف المنتجة مع ارتفاع الكثافة السكانية، كما ينبغى أن تكون هناك استثمارات أكبر فى إعادة التدوير وخطط فى بداية أى مشروع جديد؛ لضمان إعادة استخدام مياه الصرف.
ويحاول المسئولون المصريون التوصل إلى اتفاق مع أديس أبابا؛ لتأمين ما تعتبره القاهرة حصتها الصحيحة من مياه نهر النيل، وهو ما يعادل 55.5 مليار متر مكعب سنوياً، بموجب اتفاق مع السودان فى عام 1959، ولكن المشكلة تكمن فى عدم اعتراف إثيوبيا بهذه الاتفاقية.
ولا تزال المفاوضات مستمرة، ولكن المحللين يحذرون من استمرارية مشاكل المياه فى البلاد حتى لو حصلت القاهرة على أفضل نتيجة ممكنة؛ نظراً إلى التوقعات التى تفيد بارتفاع عدد سكان مصر البالغ 96 مليون نسمة إلى حوالى 150 مليون نسمة بحلول عام 2050، وذلك فى ظل عدم وجود توسعات مناسبة فى الموارد المائية.
وحذر وزير الرى من حالة عدم وجود وسائل للتكيف مع التغير البيئى؛ حيث سيتعرض بذلك ملايين اﻷفراد فى دلتا النيل لإعادة التوطين، كما أن مليارات الدولارات من الاستثمارات ستكون تحت تهديد كبير.
وفى محاولة للحفاظ على الموارد، أطلقت الحكومة حملات ضد زراعة الأرز فى المناطق التى تم فيها حظر زراعة المحاصيل كثيفة الاستهلاك للمياه، خلال العام الجارى، كما أنها فرضت غرامات مشددة، واعتقلت المخالفين؛ للتأكد من وجود 750 ألف فدان فقط من الأراضى مزروعة بالأرز، وهو ما يقل عن نصف المساحة المقدرة العام الماضى.
ومع ذلك، يشكو المزارعون تلك القيود، مصرين على أن طبيعة زراعة الأرز التى تستهلك كميات كبيرة من المياه تساعد على تحسين جودة الأرض عن طريق تخليص التربة من اﻷملاح المتواجدة بها.