يبدو أن أفضل عبارة يمكن استخدامها لوصف الوضع الحالى فى إيران هى “غير مستقر”، فالتشابك الواقع بين الجغرافيا السياسية والاقتصاد والسياسة الداخلية يجبر على التغيير المؤلم، ولكن كيف وصلت إيران إلى هذه النقطة وإلى أين تتجه؟
بدأت الأمور في الانهيار عندما انسحبت إدارة الرئيس اﻷمريكى دونالد ترامب من خطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015، المعروفة باسم الصفقة النووية المنعقدة بين الولايات المتحدة وألمانيا والصين وروسيا وفرنسا والمملكة المتحدة وإيران.
وقالت مجلة “فوربس” اﻷمريكية، إن التجارة الأكثر انفتاحاً لم تدر أى من الفوائد المفترضة على إيران، وذلك لسببين، أولهما يتمثل فى استيلاء الممثلون الحكوميون على المدفوعات النقدية المقدمة إلى إيران عندما تم توقيع الصفقة بدلاً من توزيعها على اﻷفراد، وذلك في الوقت الذي لم يكن يتواجد فيه أى تعزيز للإنفاق المحلى لمساعدة المواطنين على التعامل مع القضايا الحرجة، مثل نقص المياه وتلوث الهواء، مما أثار غضب عامة الشعب.
أما السبب الثانى يكمن فى انسحاب ترامب من الاتفاقية فى بداية العام الجارى وتجديده للعقوبات، مما حد من قدرة إيران على مقايضة البترول والمنتجات الأخرى فى مقابل الدولار الأمريكى أو اليورو، تلك العملات التي يتسبب عدم وجودها فى انخفاض واردات الأغذية والمنتجات الأساسية الأخرى، وبالتالى اندلاع الاحتجاجات الغاضبة فى الشوارع.
وتمتلك إيران بعضاً من أوجه الشبه المخيفة مع الأزمة الحالية التى تواجهها فنزويلا، حيث يمر البلدين بانخفاض كبير فى قيمة العملة المحلية فى السوق السوداء، مقارنة بالسعر الرسمى فى البنوك، بجانب الفساد واسع الانتشار من قبل الحكومة، وارتفاع معدلات البطالة بين الشباب والتصاعد السريع لمعدلات التضخم وتراجع احتياطيات العملات الأجنبية فى ظل القدرة المحدودة للوصول إلى الدولار الأمريكى، ونبذ البلد دولياً، هذا فضلاً عن أن اﻷفراد يجدون صعوبة كبيرة فى تلبية احتياجاتهم.
وتعتبر حقيقة تداول العملة المحلية في السوق السوداء بعلاوة قدرها 150% بالنسبة للسعر الرسمي مؤشر على عدم تماشى السياسة النقدية مع الاقتصاد، ويؤكد الانخفاض الجوهرى فى البترول الخام والمكثفات فى أول أسبوعين من أغسطس الماضى تباطؤ التجارة، كما أن معدل التضخم المعلن يبلغ 18%، ولكن بعض الخبراء يعتقدون أن التضخم الفعلي يعادل أضعافاً مضاعفة لهذا الرقم.
وتتخطى المشكلة فكرة الضعف المؤقت فى قيمة العملة والارتفاع فى معدلات التضخم، فقد مرت إيران بالعديد من فترات الضغوط الاقتصادية المماثلة خلال الـ40 عاماً الماضية، ولكن الفرق هو إلقاء المواطنين باللوم على الحكومة الإيرانية خلال الفترة الحالية رغم محاولة الحكومة لوم الولايات المتحدة، حيث تؤثر العقوبات الأمريكية سلباً على الاقتصاد بينما يعد فساد المسئولين الإيرانيين السبب فى العديد من الاحتجاجات.
ويمنع الحد اﻷقصى البالغ 10 آلاف يورو الخاص بمقدار العملة الأجنبية التى يستطيع المواطنون الاحتفاظ بها خارج البنوك، اﻷفراد العاديين من حماية أنفسهم من الخسارة فى قيمة الريال الإيرانى، ولكن لايزال بإمكان العديد من المسئولين الحكوميين شراء الدولار الأمريكى بالريال مقابل أسعار أقل من أسعار السوق، وبالتالى يشعر اﻷفراد بالخداع وأصبحوا يرغبون فى التغيير.
ويبدو أن إيران في مأزق صعب، فمن جهة تحتاج إيران إلى اللجوء إلى الغرب لتلقى المعونات الاقتصادية، ومن جهة أخرى تحتاج ترسيخ الرواية التى تلوم فيها الولايات المتحدة حول مشاكلها الحالية، مع العلم أن أصوات الشعب تزداد فى هذه الأثناء مع ازدياد الصعوبات الاقتصادية.