بقلم: د. مستشار أحمد الكلاوى
فى الوقت الذى تسارع فيه الدولة للقضاء بأجهزتها المعنية على الفساد بصفة عامة، والفساد الوظيفى بصفة خاصة، مازال الجدل الفقهى والقانونى والمجتمعى قائماً فيما يتعلق بإعفاء الراشى والوسيط من العقاب طبقاً لنص المادة 107 والمادة 107 مكرر من قانون العقوبات؛ حيث أورد المشرع نصاً وجوبياً على المحكمة (أ) تقضى بإعفاء الراشى والوسيط من العقاب فى حالتين: حالة إبلاغه عن الجريمة (قبل القبض)، ما يمكن جهات الضبط من القبض على المرتشى، وحالة الاعتراف بالرشوة بعد القبض على المتهمين.
ومقطع الخلاف هو حالة اعتراف الراشى أو الوسيط بعد القبض عليه.
فيرى البعض ضرورة الإبقاء عليها يحالتها؛ لأن علة الإعفاء من العقاب أن جريمة الرشوة جريمة تتصف بالسرية والكتمان، ويندر أن تترك آثاراً تدل عليها ومن ثم كان يصعب على السلطات العامة فى إقامة الدليل عليها والايقاع بمرتكبيها عليهم قد يكون أمراً عسيراً، وبالتالى فإن الراشى أو الوسيط عند الاعتراف أثناء التحقيقات فهو يخدم فى نظر هذا الجانب المصلحة العامة، وذلك بفضح أمر المرتشى بوقائع تفصيلية تسهل على جهات التحقيق عملها، بل وقد تكشف عن آخرين مازالوا يتخذون من وظائفهم العامة مصدراً للتربح غير المشروع.
أما الجانب الآخر، فيرى أن أعفاء الراشى أو الوسيط بعد القبض عليه بسبب (الاعتراف) هو بمثابة مكافأة عن جريمة الرشوة وحل ما حرمه الشرع والقانون وأن (الاعتراف) – بعد القبض على الراشى أو الوسيط – هو باب خلفى للإفلات من العقاب؛ حيث يرى هؤلاء أن الراشى والوسيط قد تدخلا بتقديم الرشوة فى إفساد الموظف العام، وقد يكون استفاد من المرتشى زمناً طويلاً، ثم بعض القبض عليه اعترف فقط للإفلات من العقاب.
ونحن نرى: إنه يجب التفرقة بين حالتين؛ الحالة الأولى هى (طلب) المرتشى الرشوة؛ لكى يقدم خدمة عامة هى بالأساس مستحقة للمواطنين والحاجة فى طلب الرشوة وامتناعه أو تعطيله بجميع السبل لتقديم الخدمة التى قامت الدولة بتوظيفه لأدائها، فهنا قد وقع المواطن فى إكراه معنوى من جانب الموظف العام وقد تكون هناك ضرورة قصوى لتلك الخدمة العامة بالنسبة للمواطن سواء فى مجال عمله أو حياته العادية ويصر الموظف فى طلب الرشوة ويتفنن فى تعطيله تقديم الخدمة بجميع الطرق سواء المباشرة أو غير المباشرة، وحينما يستجيب المواطن لطلب الرشوة يكون قد تحول فجأة (دون أن يعلم) إلى راشٍ فى جريمة رشوة سواء تم القبض عليه بطريق التلبس أو بطريق آخر، بل وتقيد حريته عندما يتم إصدار قرار بحبسه احتياطياً على ذمة اتهامه (راشياً) وقد تمتد به فترات الحبس الاحتياطى.
هنا فإن (الاعتراف) يجب أن يعفى الراشى من العقاب، بل ويعفى من الحبس الاحتياطى لأمرين: الأول: إنه تعرض لإكراه معنوى من جانب الموظف العام المنوط به تقديم الخدمة العامة إليه واستجابته لطلب الرشوة هنا تم بإرادة مشوهة باطلة ومناط بطلانها هو الإكراه المعنوى واستغلال النفوذ الوظيفى والابتزاز الذى تعرض له المواطن فى مجال عمله، وذلك برفض الموظف العام أو من فى حكمه تقديم الخدمة وطلب الرشوة مقابل الخدمة العامة التى عينته السلطات الحكومية من أجلها.
فهنا الراشى كان مضطراً للاستجابة ومدفوعاً إليها على غير إرادة منه. (خاصة أن اختيار الموظف العام لم يكن من جانب المواطن الذى أصبح راشياً لاستجابته لطلب الرشوة لقضاء مصلحة عامة هى فى الأساس حق من حقوقه قامت الدولة بتعيين الموظف العام من أجلها).
ثانياً: إن ماستؤول إليه المحاكمة الجنائية عندما يحال الراشى الذى تعرض للابتزاز والإكراه من جانب الموظف العام طبقاً لنص المادة 107، والمادة 107 مكرر من قانون العقوبات أوجبت على المحكمة إعفاء الراشى أو الوسيط من العقاب)، وبالتالى فلا ضرورة من وراء الحبس الاحتياطى فى تلك الحالة ما دام قد (اعترف) الراشى الواقع تحت الإكراه المعنوى واستغلال النفوذ الوظيفى والابتزاز من جانب الموظف العام.
الحالة الثانية: هى (عرض) الراشى أو الوسيط الرشوة واتخاذ المرشى موقفاً سلبياً حيال هذا العرض أو موقفاً إيجابياً باستجابته لطلب الرشوة.. هنا لا يعفى الراشى أو الوسيط من العقاب حتى مع الاعتراف؛ لأنه يكون قد أفسد الموظف وشارك فى الجريمة، ويشدد العقاب إذا كانت الخدمة من وراء عرض الرشوة غير مستحقة أو غير مشروعة للتربح أو الإضرار بالمال العام.