بقلم/ ليونيد بيرشديسكي
كاتب مقالات رأي لدى “بلومبرج” ويغطي السياسات والأعمال الأوروبية
في ظل هروب مزيد من الشركات الأوروبية من إيران بعد إعادة فرض العقوبات الأمريكية، قد يشعر الأمريكيون بالإغراء لتجاهل محاولات أوروبا لإنقاذ الاتفاق النووي الإيراني.
لكن من الحكمة مقاومة هذا الإغراء، لأن الخطة الجديدة التي وضعتها ألمانيا وفرنسا وبريطانيا والصين وروسيا لتأسيس بنيبة تحتية مالية خاصة للعمل مع إيران قد تكون تحديا كبيرا للهيمنة طويلة الأمد للدولار الأمريكي.
وقالت فريدريكا موجيريني، مفوضة الاتحاد الأوروبي للسياسة الخارجية، في نيويورك يوم الاثنين الماضي، إن خطة إنشاء “كيان لأغراض خاصة” للتجارة مع إيران “ستعني أن الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي ستؤسس كيانا قانونيا لتيسير التعاملات المالية المشروعة مع إيران، وهو ما سيسمح للشركات الاوروبية بمواصلة التجارة مع إيران”.
ولم يتم الاتفاق على التفاصيل الفنية بعد، ولكن كلمات موجيريني تعطي بعض التلميحات المفيدة بشأن كيفية عمل هذا المخطط.
ونظريا تجعل العقوبات الأمريكية من المستحيل على أي مؤسسة ذات أي تعاملات مع الولايات المتحدة بما في ذلك الحسابات المتبادلة مع البنوك الامريكية أن تقوم بأعمال مع إيران، وكانت تكلفة تحدي العقوبات الأمريكية عالية، ففي عام 2015، دفع بنك “بي إن بي باريبا” الفرنسي غرامة تقترب من 9 مليارات دولار لانتهاكه العقوبات ضد إيران، وكوبا، والسودان، وتم تجاهل اعتراضات الحكومة الفرنسية بشأن العقوبة “غير المكافئة” للخطأ.
والآن عادت العقوبات، ومن الواضح للأوروبيين (وكذلك الصينيون والروس) أن أي تعاملات مستقبلية مع إيران يجب أن تتم من خلال كيانات معزولة عن النظام المالي الأمريكي.
وفي تقرير صدر في يوليو 2018، اقترح أكسيل هيلمان، من مركز أبحاث “يوربيان ليدرشيب نيتورك”، واسفانديار باتنمانجليدج، من شركة “بورص آند بازار”، هيكلا مصرفيا جديدا استجابة للعقوبات الأمريكية، والذي يعتمد على النظام الحالي “لبنوك البوابة” مثل البنك الاوروبي الإيراني في هامبورج، والفروع الأوروبية للبنوك الإيرانية الخاصة.
وكتب كل من هيلمان وباتنمانجليدج، أنه يمكن تصور فئة أخرى من بنوك البوابة والتي ستشكل كيانات لأهداف خاصة تؤسسها الحكومات الأوروبية، أو يمكن اعتبارها كجزء من الشراكات العامة والخاصة لتسهيل التجارة والاستثمار مع إيران.
ويبدو أن الخطة الجديدة تركز على هذا الخيار الثالث.
وأوضحت مفوضة الاتحاد الأوروبي للسياسة الخارجية، أن ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، ستشكل شركة وساطة مالية مدعومة من الحكومات المتعددة والتي ستتعامل مع الشركات المهتمة بإيران وبإجراء صفقات مع نظرائها الإيرانيين، وهذه الصفقات التي ستكون مقومة باليورو أو الجنيه الاسترليني، لن تكون شفافة أمام السلطات الأمريكية.
والشركات الأوروبية التي تتعامل مع شركة الوساطة الحكومية ستكون فنيا غير منتهكة للعقوبات الأمريكية بنصوصها الحالية.. وهذا النظام سيكون مفتوحا للصين وروسيا على الأرجح.
وبذلك، ستقدم أوروبا بنية تحتية لصفقات قانونية وآمنة من العقوبات وضمان بأن الصفقات لن يتم الإبلاغ عنها إلى المشرعين الامريكيين.
وسيكون استهداف أمريكا لكيان لأغراض خاصة بلا جدوى، لأنه لن يكون لديها فكرة عمن يتعامل من خلالها ؟ ولماذا؟
وكل ما تستطيع أمريكا فعله هو معاقبة البنوك المركزية للدول المشاركة في هذا الكيان أو “سويفت”، وهو نظام الرسائل المالية لتسهيل المعاملات المصرفية، ومقره بروكسل.
وكتب هيلمان وباتنمانجليدج: “لكن فرض عقوبات على سويفت سترتد أضراره على أمريكا، وهناك نتيجتان محتملتان إذا قررت هذه المؤسسات (البنوك المركزية وسويفت) مواصلة التعامل مع ايران رغم العقوبات الثانوية، ؟أحدهما أن السلطات الأمريكية ستفشل في اتخاذ تدابير إنفاذية في ظل العواقب العائلة على عمليات وسلامة النظام المالي الأمريكي، أو أن السلطات الأمريكية ستأخذ مثل هذه التدابير وهي خطوة لن تخدم سوى في تسريع المجهودات الأوروبية لخلقق هيكل مصرفي دفاعي يذهب إلى ما وراء القضية الإيرانية وحدها”.
وقد يكون خلق “هيكل كمصرفي دفاعي” الهدف النهائي للأوروبيين وروسيا والصين في كل الأحوال، وإيران مجرد سبب مناسب.
ويعد الاتفاق النووي واحدا من الأشياء القليلة التي تجمع الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين ضد الولايات المتحدة، ولكن العمل على تقويض الهيمنة العالمية للدولار لا يتعلق بإيران وحدها.
وفي أحدث خطابات رئيس المفوضية الأوروبية، جان-كلود يونكر، دعا إلى تعزيز الدور الدولي لليورو، والابتعاد عن الدفع بالدولار في التجارة الخارجية.
وسعت الصين وروسيا لنفس الأمر منذ وقت طويل.. لكن أوروبا صاحبة ثاني أكبر عملة احتياطي في العالم فرصتها أعلى في تحدي الهيمنة الأمريكية.
ويتبقى لنا أن نرى إذا كان كيان الأغراض الخاصة سيغري شركات أوروبية مثل “توتال” الفرنسية”، و”دايلمر” الألمانية للعودة إلى العمل في إيران أم لا؟ وبالنظر إلى الامتداد الواسع لسلطات إنفاذ القانون الامريكية، سينطوي الأمر على مخاطر، وقد لا تتمكن الحكومات الأوروبية من حماية شركاتها.. لكن بالتأكيد ستشعر بعض الشركات بالإغراء لتجربة الهيكل الجديد، خصوصا أن الشعوب لن تعرف شيئا عن الأمر، وفي كل الأحوال ربما حان الوقت لأوروبا وروسيا والصين لاختبار عالم أعمال خال من الدولار.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: وكالة أنباء “بلومبرج”