«عبداللطيف»: هدف زيادة الحصيلة يطغى على العدالة الاجتماعية والتنمية فى المحليات
«حسين»: مفاوضات مع النقل والطيران لتحديد طريقة تقييم المطارات الخاصة والموانئ
«جاب الله»: الاعتماد على القيمة السوقية فى احتساب الضريبة ينتابه عدم الدستورية
مطالب باستخدام «البلوك تشين» فى تسجيل العقارات.. وإعفاء المصانع المسجلة من الضريبة العقارية
عقد المركز المصرى للدراسات الاقتصادية، يوم الثلاثاء الماضى، ندوة بعنوان «معضلة الضريبة العقارية فى مصر – تحليل اقتصادى واجتماعى»؛ لمناقشة أثر الضريبة على السوق العقارى والاقتصاد المصرى.
وقدمت الدكتورة عبلة عبداللطيف، المدير التنفيذى، مدير البحوث بالمركز، عرضاً تضمن أهم الممارسات العالمية لتطبيق الضريبة العقارية، كالولايات المتحدة الأمريكية، وجنوب أفريقيا، والاتحاد الأوروبى، وأمريكا اللاتينية، وأوروبا الشرقية، وآسيا، وأفريقيا، ودول منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية.
وخلصت الدراسة إلى مجموعة من العناصر التى اجتمعت عليها كل الدول فى تطبيق الضريبة العقارية، منها الرصد من خلال التسجيل بالمحليات عبر آليات مميكنة، ووجود ثلاثة أنواع من التقييم لاحتساب الضريبة العقارية، إما على أساس المساحة، أو على أساس القيمة السوقية، أو على أساس القيمة الإيجارية، وتعتمد معظم الدول على القيمة السوقية والمساحة أكثر من اعتمادها على القيمة الإيجارية.
كما تعتمد الدول منهجية واضحة وشفافة لحساب قيمة العقار، وبالتالى تحديد قيمة الضريبة مع وجود جهاز واضح متخصص فى التقييم، وتوجه كل عوائد الضريبة العقارية للمحليات، والتى يكون لها صوت ونصيب ضخم فى صناعة القرارات الخاصة بها، ولا يوجد إعفاءات للمنشآت الخاصة بالدولة ما دامت تقوم بنشاط مثل الذى يقوم به القطاع الخاص، وفقاً للاتفاقيات الدولية، وتختلف الدول فى قيمة الضريبة العقارية التى تتبناها، وذلك وفقاً لمرحلتها التنموية دون الإخلال بشروط الحوكمة. وذكرت أن حصر العقارات يتم من خلال وزارة المالية بشكل يدوى، ودون وجود سجل عينى مفعل، وتُحدد قيمة العقار على أساس القيمة الإيجارية بعكس السائد فى التجارب الدولية من الاعتماد على القيمة السوقية أو المساحة، ويتم احتساب الضريبة بشكل عشوائى دون معادلة دقيقة؛ نظراً إلى قلة المعلومات، وهو ما يتسبب فى كثير من الطعون التى يصعب حسمها.
كما أن الاعتماد على القيمة الإيجارية فى تحديد قيمة الضريبة يجعلها ضمن ضريبة الدخل بدلاً من أن تكون ضريبة على الثروة، كما يؤدى لصعوبة احتساب الضريبة على المصانع والفنادق وتجاوز هذه المشكلة من خلال بروتوكولات قد تخالف القانون فى تفاصيلها.
ويتم تحصيل الضريبة من خلال مصلحة الضرائب العقارية، وتذهب الحصيلة بالكامل إلى السلطة المركزية، ولا تستفيد المحليات منها إلا فى إطار ما تقرره السلطة المركزية، رغم أنها فى أشد الحاجة إلى التنمية، وهاتان السمتان الأخيرتان هما المشكلتان الأكبر فى الضريبة العقارية بمصر.
كما أن نسبة الضرائب العقارية فى مصر إلى إجمالى الإيرادات الضريبية تعد ضئيلة للغاية، مقارنة بنسبتها فى الدول المختلفة، وبلغت فى مصر 0.1% عام 2015، مقابل 10.3% فى الولايات المتحدة، و12.6% فى المملكة المتحدة، و9% فى فرنسا، و11.8% فى كندا على سبيل المثال. وأكدت «عبداللطيف»، أنَّ جوهر المشكلة فى النظام المصرى يكمن فى عدم وضوح هدف فرض الضريبة؛ حيث يطغى هدف زيادة الحصيلة الضريبية على باقى الأهداف المفترض تحقيقها، وهى مراعاة العدالة الاجتماعية والتنمية فى المحليات.
أضافت أن عدم تبنى التكنولوجيا الحديثة فى الرصد، وتحديد قيم العقار يفتح الباب للاجتهاد، وبالتالى احتمالية الفساد.
ومن أهم المشكلات التى رصدتها الدراسة، أيضاً، فى النظام المصرى، هى المشكلات الخاصة بالضرائب على المسكن والمصانع والتى تشير إلى غياب القاعدة الأساسية للقوانين، وهى وجوب أن يعبر القانون عن الواقع الفعلى، فوجود العقار ليس بالضرورة دليلاً على الثراء، كما أن الضرائب العقارية على المصانع تحتاج إلى إعادة نظر فى إطار اهتمام الدولة بتحقيق التنمية.
وأشارت الدراسة إلى مشكلة عدم جود سجل عينى مفعل وحديث، وتداخل الضريبة العقارية مع ضريبة الدخل، لافتة إلى عدم دستورية فرض الضريبة على الأرض الفضاء، طبقاً لحكم المحكمة الدستورية العليا الصادر عام 2002.
وقدمت الدراسة مجموعة من المقترحات لتحقيق كفاءة الضريبة، تتضمن إعفاء الأنشطة الإنتاجية من الضريبة العقارية، وتحديداً النشاط الصناعى؛ لأن هدف التنمية الصناعية أكبر من أى إيرادات تأتى من خلال الضريبة العقارية عليها.
وأشارت الدراسة إلى أن نسبة منشآت الصناعات التحويلية فى مصر تشكل 3.32% من إجمالى عدد المبانى، طبقاً لبيانات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء لعام 2017، وهى نسبة ضئيلة، فى حين يعمل فى هذه المنشآت 2.7 مليون نسمة.
واقترحت الدراسة تغيير التقييم ليصبح حسب القيمة السوقية بدلاً من القيمة الإيجارية للخروج من فخ كونها ضريبة دخل وليست ضريبة ثروة، والتعامل مع منشآت الدولة بنفس معاملة القطاع الخاص مادامت تقوم بنفس النشاط، والاستفادة من إمكانية الحصول على ضريبة عن الإعلانات على الطرق وأبراج المحمول، وتبنى التكنولوجيا الحديثة وخاصة «البلوك تشين» فى تسجيل العقارات.
وقالت الدكتورة سامية حسين، رئيس مصلحة الضرائب العقارية، إنَّ قانون الضريبة العقارية صاحبه سوء الحظ منذ بداية صدور القانون 96 لسنة 2008؛ بسبب كثرة التعديلات التى جرت عليه، والمقاومة الشديدة من أصحاب المصلحة للتطبيق تحت دعوى حماية الفقراء، ونتيجة ذلك لم يكن هناك انتظام فى التعامل مع الضريبة وتحصيلها، واستمر سوء الحظ حتى عام 2014 عندما جرى آخر تعديل على القانون بالقرار الجمهورى رقم 117 لسنة 2014.
وبررت «حسين» توقيع عدد من البروتوكولات مع قطاعات مختلفة، هى البترول، والسياحة، والصناعة، لحساب الضريبة العقارية، بأن القانون نص على أن يتم تحديد طريقة التقييم للمنشآت ذات الطبيعة الخاصة من خلال اتفاق وزير المالية مع الوزير المختص، وهو ما تمت ترجمته فى هذه البروتوكولات التى جرى توقيعها، ويُجرى التفاوض، حالياً، مع النقل والطيران لتحديد طريقة تقييم المطارات الخاصة والموانئ؛ لأن المطارات الحكومية غير خاضعة للضريبة بموجب فتوى قانونية حصلت عليها الشركة المصرية للمطارات.
وقال محمود جاب الله، المستشار الضريبى بمكتب مزارز مصطفى شوقى، إنَّ الاعتماد على القيمة السوقية فى احتساب الضريبة العقارية فى مصر ينتابه عدم الدستورية، وهذا لا يعنى عدم دستوريتها فى الدول الأخرى.
وفيما يتعلق بالضريبة على المسكن الخاص، قال «جاب الله»، إنه لا يستقيم عدم فرض الضريبة العقارية على مسكن قيمته السوقية 100 مليون جنيه، مطالباً بإعادة النظر فى قيمة العقار السكنى الخاص الخاضع للضريبة، وهو 2 مليون جنيه.
ودعا محمد زكريا محيى الدين، عضو مجلس النواب، عضو مجلس إدارة المركز، إلى إعفاء المصانع المسجلة العاملة فى الاقتصاد الرسمى من الضريبة العقارية، وفرضها على المصانع غير المسجلة، وهو ما تضمنه مشروع قانون تقدم به إلى لجنة الصناعة بالبرلمان وقع عليه 66 نائباً بالمجلس، ومن المنتظر أن تتم مناقشته فى دور الانعقاد الحالى، بهدف رفع العبء عن القطاع الصناعى.
وذكر خالد دربالة، استشارى وخبير نظم المعلومات، أن تطبيق الضريبة العقارية سيظل صعباً؛ نظراً إلى عدم جود سجل عينى.
أشار إلى محاولات لإنشاء سجل عينى فى مصر منذ حوالى 116 عاماً، ولكن لم يحدث حتى الآن؛ لأن أغلب الإشهارات التى تتم فى الشهر العقارى شخصية، وتصل نسبة الإشهار العينى إلى 2% فقط.
وأكد «دربالة» وجود ثروة عقارية هائلة لا يعرف عنها شيئاً؛ لعدم وجود سجل عينى، مدللاً على قوله بمراجعة خرائط منطقة العاشر من رمضان وكانت الخرائط القديمة يقدر عددها بحوالى 17 ألف عقار، وطبقاً للتقديرات كان من المتوقع حدوث زيادة بحوالى 30% فى عدد العقارات، ولكن مع تحديث الخرائط ظهرت زيادة تجاوزت 150% لتصل إلى 42 ألف عقار لا يعرف أحد عنها شيئاً.