
24% حصة الصكوك من إجمالى إصدارات الديون فى الخليج فى 2017
نحتاج تشريعاً للصكوك السيادية ويمكن للحكومة اللجوء لأسواق دولية حال رغبتها تسريع الإصدار
بنوك الاستثمار مطالبة بمبادرة الحكومة بحلول غير تقليدية للتمويل
ساهم شريف سامى، الرئيس السابق للهيئة العامة للرقابة المالية، فى تمكين الشركات والحكومة من الولوج للتمويل بأشكاله المختلفة، وصدر فى مارس الماضى تعديل لقانون سوق المال، متضمناً أدوات تمويلية لم تكن مألوفة على السوق منها (الصكوك، السندات قصيرة الأجل، السندات غير المصنفة، والسندات المغطاة، والمشتقات المالية وبورصة العقود والسلع،.. وغيرها).
وسعت جريدة «البورصة» لحوار شريف سامى عن مدى تأهيل مصر لطرح أدوات تمويلية إسلامية.
قبل تناول موضوعات مالية، أين أنتم بعد انتهاء رحلة أربع سنوات على رأس الهيئة العامة للرقابة المالية، وما المجالات المهنية التى تعملون فيها حالياً، خاصة أن الفترة التى نص عليها القانون لمنع تعارض المصالح قد مرت؟
أنا متواجد فى أماكن متعددة فى المجالين العام والخاص، ونادراً ما أعود لمنزلى قبل الثامنة مساءً. فأنا رئيس غير تنفيذى لشركة تعمل فى استشارات تعظيم القيمة للاستثمار العقارى واستغلال الأصول، وأقوم بعدد من المهام الاستشارية الممولة من مؤسسات دولية، وعضو مجلس إدارة بنك الاستثمار القومى وبعدد من الشركات، من ضمنها أورنج للاتصالات، وجى بى أوتو، وأكبر شركات التعليم فى مصر، وشركة تعمل فى مجال الاستثمار المباشر فى أفريقيا، وشركة أخرى لريادة الأعمال تسهم بها وزارة الاستثمار، وصندوق التنمية السعودى، هذا بالإضافة إلى عضويتى للمجلس الاستشارى الدولى لهيئة الأوراق المالية والسلع بدولة الإمارات العربية المتحدة، وأنا كذلك عضو لجنة الاستثمار لصناديق التأمين الاجتماعى، وعضو مجلس كلية التجارة بجامعة الإسكندرية. وأخصص جزءاً من وقتى لمساندة شباب رواد الأعمال والمشروعات الصغيرة من خلال المركز المصرى للدراسات الاقتصادية وجمعية رجال الأعمال بالإسكندرية.
كيف يمكن للأدوات المالية الجديدة التأثير على منحنى العائد، وهل تتأثر هى بأسعار الفائدة أم أن تواجدها قد يدفع بأسعار الفائدة للهبوط؟
بالتأكيد الارتفاع فى أسعار الفائدة لا يساعد الشركات والمؤسسات المالية على التوسع فى الاقتراض أو اللجوء لسوق السندات أو للأدوات المالية غير المصرفية المتعارف عليه.
ومنحنى العائد بالتأكيد تؤثر عليه توقعات السياسة النقدية، والعائد على إصدارات الخزانة العامة بحكم وزنها النسبى الطاغى، مقارنة بأى سندات أو سندات توريق أو حتى صكوك تصدر عن الشركات والهيئات.
وأرى أن منظومة السندات السيادية التى تصدرها الخزانة العامة تنقصها نوعية السندات متغيرة العائد المرتبطة بمعدلات التضخم. أى أنها لا توزع عائداً ثابتاً، كما اعتدنا، ولكن بدلاً من ذلك فإنَّ العائد الذى يصرف دورياً لحملة السندات يتغير وفقاً لمعادلة ترتبط بمعدلات التضخم. وتسمى هذه السندات فى المملكة المتحدة بالسندات المرتبطة بالمؤشر، ويتحرك الكوبون مع مؤشر أسعار التجزئة فى المملكة المتحدة (RPI) صعوداً وهبوطاً.
وتسمى فى الولايات المتحدة “سندات الخزينة المحمية من التضخم” (TIPS).. والميزة هنا أنها تساعد الحكومات فى الحصول على تمويل بآجال معقولة دون التعرض لمخاطر الاستمرار فى سداد عائد مرتفع حتى عندما تنخفض معدلات التضخم، وبالتالى الفائدة لاحقاً، والعكس فإنها تحمى المستثمر عند شراء سندات لمدة خمس أو سبع سنوات، مثلاً فى أوقات تكون فيها معدلات التضخم والفائدة متدنية نسبياً، ثم تحدث ارتفاعات بعد عام أو عامين، وبالتالى يحقق خسارة؛ حيث ينخفض سعر السندات لكى يكون الكوبون منسوباً لسعر السند فى السوق، محققاً معدلات العائد الجديدة التى طرأت.
وأرى أيضاً ضرورة استكمال العمل على تنشيط سوق السندات التى تصدرها الشركات، وتشجيع الهيئات العامة مثل هيئة المجتمعات العمرانية، والموانئ، والسكك الحديدية، وغيرها على إصدار سندات والتوريق، وذلك بغرض تنويع أدوات الدين، وعدم الاعتماد بصورة كاملة على البنوك كما يحدث الآن.
وقد يكون لبنك الاستثمار القومى دور فى توجيهها بهذا الخصوص؛ لأنه يعتبر مؤسسة تمويل مهمة لتلك الجهات فيما يخص الباب السادس من الموازنة العامة (الاستثمارات).
ويرتبط بذلك تيسير تحقيق سيولة على التعامل عليها من خلال البورصة.
وقد عملت على هذا الملف عن قرب مع دكتور محمد عمران، وقت رئاسته البورصة المصرية، وبالتالى لا أشك فى مدى اهتمامه به. وأعلم أن البنك المركزى لديه فريق عمل ينظر فى هذا الملف بالتعاون مع بعض الخبراء الدوليين.
ولا تفوتنى الإشارة إلى أهمية دراسة استحداث صناديق مؤشرات للسندات، تعتمد على إيجاد مؤشر لعوائد إصدارات سندات بآجال مختلفة.
كانت صكوك التمويل الأكثر جدلاً خلال السنوات الماضية، كيف تراها كأداة مالية يمكنها خلق نوع جديد من التمويل فى مصر؟
فيما يخص الصكوك التى يمكن أن تصدرها الشركات والمؤسسات المالية والهيئات الحكومية، فقد صدرت فى مطلع هذا العام التعديلات التى طال انتظارها لقانون سوق رأس المال والتى تضمنت تنظيماً متكاملاً لإصدار الصكوك وطرحها. وما ننتظره الآن صدور التعديلات اللازمة باللائحة التنفيذية لقانون سوق رأس المال. ولا أعلم مدى التقدم الذى حدث بهذا الخصوص؛ حيث إنه منذ تعديل دستور جمهورية مصر العربية فى يناير 2014، يتوجب على الوزير المختص عرض مشروع التعديلات على مجلس الدولة مسبقاً لمراجعتها. ومعلوماتى أن السيد رئيس مجلس الوزراء منذ تغيير الوزارة، فى الصيف الماضى، لم يفوض أى وزير فى اختصاصاته مثل الوزارات السابقة، وبالتالى يعد هو الوزير المختص بجميع القوانين التى تشرف الهيئة على تطبيقها.
أما عن الصكوك السيادية، التى تصدرها الخزانة العامة، والتى صرح وزير المالية بأن هناك توجهاً لإصدار بعضها فى الربع الأول من عام 2019، فإنها تتطلب أولاً وجود تشريع ينظمها.
وبالتالى فإنه ما لم يصدر قانون بتنظيم الصكوك السيادية، فإنه لا يمكن، حالياً، إصدارها فى مصر. وكلنا يعرف دورة التشريع من صياغة وحوار مجتمعى ثم العرض على لجنة التشريع بوزارة العدل، وبعدها رفع المشروع لمجلس الوزراء؛ للموافقة عليه، وبعدها مراجعة مجلس الدولة، ثم يحال لمجلس النواب لمناقشته باللجنة الاقتصادية، وصولاً إلى إقراره فى جلسة عامة بالمجلس وبعدها ينظر رئيس الجمهورية فى إصداره، وينشر بالجريدة الرسمية، لكنه، قد ترى الحكومة فى ضوء أولوياتها واحتياجاتها، أن يتم إصدار صكوك سيادية دولية، على غرار السندات الدولية التى أصدرناها عدة مرات (اليوروبوند).
وفى هذه الحالة، فإنه لا يشترط وجود قانون مصرى ينظمها؛ حيث إنها تخضع للقواعد السارية فى السوق الذى ستصدر منها (مثلاً لوكسمبورج أو دبى إلخ…).
وعلى سبيل المثال، نجد أن أكبر عدد من إصدارات الصكوك والسندات الدولية لدول مجلس التعاون الخليجى العام الماضى كان فى دبلن عاصمة إيرلندا (42 إصداراً بقيمة 55 مليار دولار)، وتلتها العاصمة البريطانية لندن (30 إصداراً بقيمة 15 مليار دولار)، وفى المركز الثالث تايوان (6 إصدارات بقيمة 3 مليارات دولار).
أثر تراجع حجم إصدارات الصكوك فى الخليج على حجم إصداراتها عالمياً خلال 2018، فما هى علاقة إصدارات الصكوك بالدورات الاقتصادية التى تمر بها الدول؟
اللجوء للأسواق المالية سواء كان فى صورة صكوك أو أسهم أو سندات بالتأكيد يتأثر بالأوضاع الاقتصادية والسياسية فى الدولة المعنية، فالنشاط الاقتصادى والتوسع فى المشروعات ومعدلات النمو تؤثر بالتبعية فى قيمة التمويل المطلوب أياً كانت الأداة.
ونعلم أن الأسواق الناشئة شهدت تقلبات، خلال هذا العام، وشهدنا خروج أموال من بعض الأسواق وذلك لعدة أسباب من ضمنها العائد على الدولار الذى ارتفع أكثر من مرة خلال السنة. والصكوك فى الأساس تصدر بأسواق ناشئة ومنطقة الخليج العربى جزء من تلك الأسواق. وبالنظر إلى حجم النشاط فى دول مجلس التعاون الخليجى خلال العام الماضى (2017) نجد إصدارات أولية بقيمة 22.8 مليار دولار للصكوك و81.4 مليار دولار للسندات التقليدية.
حوالى 63% من إجمالى إصدارات الصكوك والسندات كانت لجهات حكومية، و21% لمؤسسات مالية، والباقى يتوزع على شركات تعمل فى مجالات الطاقة والتطوير العقارى والصناعة والمرافق العامة.
ويشار إلى أن من إجمالى أرصدة السندات والصكوك القائمة بنهاية عام 2017، بقيمة 425 مليار دولار، والصادرة عن دول مجلس التعاون الخليجى، تمثل الصكوك ما نسبته 24% والباقى سندات.
هل التوقيت الحالى فى ظل ما تعانى منه الأسواق الناشئة من أزمات قد يشكل عائقاً أمام المحاولات الوليدة للشركات المصرية لإصدار صكوك؟
لا أظن لأن السوق متعطش لصكوك مصرية بشرط أن تكون لمشروعات ذات جدوى وبعوائد معقولة وبمخاطر مقبولة، كما هو متعارف عليه، ولأننا لن نصدر فى البداية صكوكاً بأرقام كبيرة أى بمليارات الدولارات.
وبالتالى فإنَّ الحاجة لتنويع المحافظ وتضمينها السوق المصرى، وكذلك وجود شهية لدى البنوك المصرية التى تعمل وفق أحكام الشريعة الإسلامية، وكذلك 9 شركات تأمين تكافلى فى مصر، كلها عوامل تعزز من فرص نجاح البدء فى بعض الإصدارات. ولكن مطلوب أن يسبق ذلك توعية أكبر لجميع الأطراف بالسوق؛ لأنها أداة مستحدثة لم نعتد عليها بعد.
وما هى السندات قصيرة الأجل ومزاياها للشركات والفرق بينها وبين خطوط الائتمان (السحب على المكشوف)؟
بدأت الهيئة العامة للرقابة المالية عام 2016 بالتعاون الفنى مع البنك الأوروبى لإعادة الإعمار والتنمية فى دراسة السندات قصيرة الأجل (commercial papers) وتطوير الأطر التنفيذية لها، وذلك بهدف استكمال منظومة الأوراق والأدوات المالية المتاحة. وكان الدافع لذلك أن سوق المال بمصر ينظم، حالياً، السندات وسندات التوريق، وتكون آجالها ثلاثة عشر شهراً أو أكثر.
ومن ثم جاءت الحاجة لدراسة أدوات تمويل قصيرة الأجل تكون متاحة للشركات جنباً إلى جنب التمويل المصرفى؛ حيث يوجد احتياج لإيجاد سندات أو غيرها من أدوات التمويل لفترات أقل من سنة لخدمة متطلبات التمويل لشركات التخصيم والتمويل متناهى الصغر، إضافة إلى الاحتياجات الموسمية التى تتميز بقصر دورة رأس المال العامل لغيرها من المنشآت ولا سيما الصناعية. وانتهت الدراسة، فى العام التالى، على حد علمى، وتضمنت تعديلات قانون سوق رأس المال التى صدرت فى شهر فبراير الماضى إشارة لها، وأعتقد أن مجلس إدارة الهيئة العامة للرقابة المالية عاكف، حالياً، على تنظيمها.
وأرى أن الجهات العاملة فى مجال التمويل متناهى الصغر، سواء جمعيات أهلية وشركات، مع الزيادة الكبيرة فى حجم نشاطها ونمو محافظها الائتمانية، يمكن أن تستفيد من السندات قصيرة الأجل، بشرط أن يسمح للجمعيات والمؤسسات الأهلية بشروط معينة بتأسيس شركات تعمل فى المجال.
وفى ختام الحوار، قال شريف سامى: الآن دورى لطرح سؤال: لماذا لا نستفيد من فرصة تكليف عدد من بنوك الاستثمار ضمن برنامج الطروحات العامة والتى بالتأكيد تدرس جيداً أوضاع الشركات المسندة لها، فى أن يمتد نطاق عملها لبحث مدى إمكانية إصدارها لسندات، سواء سندات تقليدية أو سندات مغطاة أو توريق مستحقاتها ؟ فعلى سبيل المثال، شركة مثل مصر الجديدة للإسكان بكل مشروعاتها المتعددة، وكذلك شركة الإسكندرية للزيوت المعدنية (أموك) التى أعلنت، مؤخراً، عن إضافة نشاط «تكرير المتبقى الثقيل لاستخراج منتجات خفيفة ذات قيمة اقتصادية عالية» بتكلفة استثمارية مليار دولار، تعد حالات تستحق الالتفات لها فى هذا السياق.