عسكرة المنافسة الدولية تهدد الاستثمار فى المنافذ البحرية بالمنطق
ة التنافس السياسى يشوه الاهتمام الاقتصادى والاتفاقيات البحرية تغير المسرح العالمى
6 مليارات دولار خسائر نيجيريا السنوية
تعتبر منطقة القرن الأفريقى، منطقة ذات أهمية استراتيجية تجارية وعسكرية كبيرة مع التطور الهائل فى أنشطة الموانئ هناك؛ حيث تنطوى الاستثمارات على مخاطر متزايدة.
وعلى مدار عقود، كانت المنطقة واحدة من أكثر مناطق العالم هشاشة، وتعانى من الصراعات المسلحة والفقر والجفاف المتكرر، لكن فى القرن الحادى والعشرين، أصبح القرن الأفريقى الذى يضم دول الصومال، وإريتريا، وإثيوبيا، وجيبوتى، محل تركيز استثمارى مثير للدهشة من قبل شركة موانئ دبى العالمية، شركة تشغيل الموانئ العالمية التى تمتلك حكومة دبى حصة الأغلبية فيها.
ومن مقرها بميناء جبل على فى دبى، رأت الشركة البحرية ومالكوها الإماراتيون فى القرن الأفريقى ما لم يره الكثيرون؛ حيث توقعوا أن تكون المنطقة ذات إمكانات اقتصادية واسعة، خاصة أنها تتمتع بأهمية جغرافية استراتيجية.
فى عام 2006، فازت موانئ دبى العالمية بعقد لبناء محطة «دوراليه» للحاويات فى جيبوتى والتى تعد الآن أكبر جهة توظيف ومصدر دخل فى الدولة الصغيرة.
وفى عام 2016، وقعت الشركة اتفاقاً بقيمة 442 مليون دولار مع إقليم «صومال لاند» الانفصالى لإدارة واستثمار ميناء بربرة فى المياه العميقة للبحر الأحمر.
وتنافس الإمارات عدداً من دول الخليج والشرق الأوسط؛ للسيطرة على الموانئ عبر القرن الأفريقى فى سباق يقول محللون إنه يمكن أن يفيد لكنه قد يؤدى إلى زعزعة الاستقرار فى تلك المنطقة الهشة بالفعل بحسب تقرير لمجلة «راكونتير».
وفى السنوات الأخيرة، أصبحت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة نشطة فى الموانئ والقواعد العسكرية فى جيبوتى وإريتريا والصومال، فى حين أن قطر وتركيا تبنيان فى العاصمة الصومالية مقديشيو وميناء سواكن البحرى قبالة ساحل السودان على البحر الأحمر.
ويقول كاميل لونس، منسق البرنامج فى المجلس الأوروبى للعلاقات الخارجية، إنَّ العالم يشهد سباقاً بين اللاعبين الإقليميين والعالميين للاستفادة من الفرص الكبيرة الموجودة فى المنطقة.
أضاف أن أحد أسباب هذا التدافع هو العامل التجارى؛ حيث يتمتع القرن الأفريقى بموقع استراتيجى بجوار أحد أكثر الممرات البحرية ازدحاماً فى العالم، مع إمكانية الوصول إلى كل من البحر الأحمر والمحيط الهندى، وفى كل يوم يتدفق نحو 5 ملايين برميل من البترول الخام والمنتجات البترولية عبر مضيق باب المندب وهو عنق من المياه يقع بين إريتريا وجيبوتى.
وتوجد حاجة إلى المزيد من الموانئ والبنى التحتية الأفضل للتعامل مع النمو فى أكبر اقتصاد بالقرن الأفريقى وهو إثيوبيا والتى من المتوقع أن ينمو الناتج المحلى الإجمالى لديها بنسبة %8.5 هذا العام لكنها غير ساحلية وبالتالى تعتمد بشدة على جيبوتى.
ومنذ توليه السلطة، فى أبريل الماضى، جعل رئيس وزراء إثيوبيا الجديد ذو العقلية الإصلاحية أبى أحمد، والبالغ من العمر 42 عاماً من تطوير الموانئ أولوية رئيسية، داعياً إلى الاستثمار فى جميع أنحاء المنطقة؛ لأنه من المهم جداً بالنسبة لأديس أبابا تنويع مساراتها التجارية. لكن الاهتمام الخليجى فى القرن الأفريقى مدفوع، أيضاً، بالتنافسات السياسية الإقليمية؛ حيث تسعى دول مختلفة إلى تأمين مواقع استراتيجية، خاصة فى سياق حرب اليمن؛ حيث يقاتل التحالف العربى العسكرى المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران منذ مارس 2015.
ودعمت الإمارات وجودها العسكرى ببناء قاعدة عسكرية حول ميناء عصب الإريترى ولديها، أيضاً، قوات مسلحة موجودة بمنطقة بربرة الميناء الصومالى بالغ الأهمية.ويتزايد الاهتمام الجيوسياسى فى منطقة القرن الأفريقى، لكن يخشى المراقبون أن تنتهى هذه النزاعات الإقليمية الخليجية إلى صراع مسلح.
كان هذا هو الحال بعد أزمة الخليج فى يونيو 2017، عندما قطعت السعودية وحلفاؤها العلاقات الدبلوماسية مع قطر، ووقفت حكومتا جيبوتى وإريتريا وحكومة صومال لاند إلى جانب السعودية والإمارات، ما دفع الدوحة إلى سحب قوات حفظ السلام من الحدود المتنازع عليها بين دول القرن الأفريقى، حيث كانت تقوم بدوريات منذ عام 2010.
وغضبت الحكومة المركزية فى الصومال، العام الماضى، من بناء الإمارات قاعدة عسكرية فى بربرة -190 كيلومتر جنوب اليمن- والتى وقعت شركتها «موانئ دبى» فى مارس من هذا العام أيضاً عقداً مع سلطات صومال لاند الانفصالية من أجل تطوير وتشغيل ميناء بربرة، فيما تمتلك إثيوبيا، أيضاً، %19 من أسهمها.
ويتضمن المشروع إمكانية تحويل صومال لاند إلى مركز بحرى إقليمى، ما يقلق الحكومة الفيدرالية فى مقديشيو الصومال التى تعتبر المنطقة جزءاً من أراضيها، مما لا يعطى الحق للانفصاليين لتوقيع اتفاقيات دولية.
وفى 12 مارس حظر البرلمان الفيدرالى فى الصومال عمل شركة موانئ دبى العالمية من العمل بالبلاد فى خطوة اعتبرها رئيس جمهورية صومال لاند الانفصالية موسى بيهى عبدى بمثابة إعلان الحرب.
وعلى الرغم من مشاركتها الطويلة فى المنطقة، فإنَّ الإمارات واجهت مشاكل فى جيبوتى، ففى فبراير الماضى وبعد سنوات من النزاع، استولت حكومة جيبوتى بشكل كبير على محطة «دوراليه» للحاويات فى موانئ دبى العالمية.
واتهمت جيبوتى «موانئ دبى» بالأداء الضعيف والفشل فى توسيع المحطة بالسرعة التى وعدت بها، كما ادعت الشركة، أنها دفعت رشاوى لتأمين الامتياز الأصلى، وهو ادعاء رفضته محكمة لندن للتحكيم الدولى.
ومع تهميش دولة الإمارات العربية المتحدة فى جيبوتى، يقول المحللون، إنَّ دولاً أخرى يمكن أن تتدخل، وإن الدول الخليجية ليست الدول الوحيدة فى المنافسة، وتكهن البعض بأن «دوراليه» فى طريقها للتسليم لمستثمرين من الصين التى تقوم، حالياً، ببناء قاعدة بحرية فى البلاد.
ويشير التقرير إلى أن تورط الصين فى موانئ القرن الأفريقى يضيف بعداً آخر لمعادلة معقدة بالفعل كما يرى ديفيد ستيان، أستاذ العلوم السياسة بجامعة بيركبيك فى لندن.
ويؤكد «ميلاند»، أن تمتع المنطقة بإمكانيات تجارية ضخمة يجلب لها توترات إقليمية يمكن أن تعرض استثماراتها الجديدة لخطر حقيقى.