بقلم: د. خالد سمير خبير الرعاية الصحية والتطوير المؤسسى وعضو مجلس إدارة غرفة مقدمى الخدمات الصحية والعضو المنتدب لمستشفيات ومراكز دار العيون
ود. أسامة أبوالخير استشارى الإدارة والتطوير فى القطاع الصحى وقيادى فى تقنيات الصحة الذكية
تصادم الصناعة الرقمية بصورتها سريعة التطور مع صناعة الرعاية الصحية بطيئة الخُطى بطبيعتها سيؤدى إلى إحداث تغيير رائع فى سوق الرعاية الصحية.
الكثير من الناس ما زال يؤمن أنه من المقلق أن يعالج المريض عن بُعد، لكن كل شىء الآن يتغير بما فيها الزيارات الطبية الكلاسيكية، وأن تجربة ممارسة بضع زيارات مرئية (افتراضية) كفيلة أن تزيل كل الهواجس والمخاوف المرتبطة بهواجس «ضرورة» أن يرى المريض طبيبه وجهاً لوجه، فيكتشف المريض أن حياته ستكون أكثر انضباطاً واحتراماً باستخدام هذه التكنولوجيا (تقنية التطبيب عن بُعد).
من المؤكد، أن المريض سيزور طبيبه عند الضرورة، ولكنه يستطيع أن يجرى كل ما يحتاج من فحوصات وتحاليل دون الذهاب بنفسه، وأن يستطيع أن يتابع بكل سهولة ويسر من منزله أو من مكتبه ملفه الطبى.
أصبحت الزيارات الافتراضية فى الكثير من دول العالم، (فى مصر ما زالت فى حالة النمو البطىء) سمة عادية لممارسة الطب.
انتشار الهواتف الذكية فى كل مكان وفى كل يد، ومع تطوير البنية التحتية للاتصالات، أدى إلى ظهور وانتشار خدمات التطبيب عن بُعد التجارية – والتى عادة ما يتم تنفيذها داخلياً (أى من خلال المؤسسة بنفسها) أو من خلال التعهيد Outsourcing – لتمكين الناس فى كل مكان من إجراء استشارة بالفيديو مع الأطباء المميزين.
يستخدم التطبيب عن بُعد بشكل رئيسى لربط مرضى الدول النائية مع مستشفيات الدول المتحضرة أو فى المناطق الريفية للدول المتطورة بأخصائيين فى المناطق الحضرية للدول نفسها، باستخدام معدات سمعية بصرية فى مكاتب أطباء الرعاية الأولية فى معظم الأحيان.
من المُسَلَم به أن القطاع الصحى هو مسئولية مجتمعية غاية فى الأهمية فى إطار متكامل وضحته منظمة الصحة العالمية فى تعريف رائع بكون الصحة «هى حالة من اكتمال السلامة البدنية والعقلية والاجتماعية وليس مجرد غياب أو انعدام المرض أو العجز».
هذا القطاع الذى تم ضخ ما يقارب من 10% من الناتج الإجمالى العالمى عليه بواقع 7 تريليونات دولار يواجه تحديات مفصلية على أكثر من صعيد، مدفوعاً بطلب متزايد على ميزانيات صحية أضخم تكون فى كثير من الأحوال أكبر من قدرات الدول على توفيرها.
النمو السكانى المطرد مع زيادة متوسط عمر الفرد يشكل أحد أهم هذه التحديات.
سيزداد متوسط عمر الفرد حول العالم بأكثر من عام كامل بين عامى 2016 و2021 – من 73 إلى 74.1 سنة – ليصل بذلك عدد الأشخاص الذين تزيد أعمارهم على 65 عاماً إلى أكثر من 656 مليون شخص، أو 11.5% من إجمالى سكان العالم.
كما تشهد البلدان النامية نمواً ملحوظاً فى الطبقة الوسطى؛ حيث سيكون 65% من سكان العالم من الطبقة المتوسطة بحلول عام 2030، ما يعزز أسلوب الحياة المرفه الذى يؤدى إلى زيادة عبء الأمراض غير السارية (المزمنة).
كذلك يشكل التمدن السريع وأنماط الحياة المستقرة وتغيير الوجبات الغذائية وارتفاع مستويات السمنة زيادة فى الأمراض المزمنة؛ أبرزها السرطان وأمراض القلب والسكرى، حتى فى الدول النامية ومنها مصر.
وفقاً لمنظمة الصحة العالمية، من المتوقع أن يرتفع معدل انتشار الأمراض المزمنة بنسبة 57% بحلول عام 2020.
أيضاً تواجه الحكومات حول العالم ضغوطاً متزايدة لخفض التكاليف الصحية دون التأثير على الجودة أو الوصول إلى الرعاية، على سبيل المثال، ستشهد البلدان الخمسة صاحبة أسرع نمو اقتصادى فى العالم والمعروفة بدول (BRICS) زيادة بنسبة 117% فى الإنفاق على الصحة، خلال العقد القادم. بالإضافة إلى ذلك وهو الأهم، يمثل نقص الموارد البشرية اتجاهاً مزعجاً؛ لأن الأنظمة الصحية الحالية لن تتمكن من مواكبة الاحتياجات الصحية المتضخمة للسكان، فبحلول عام 2035 سيواجه العالم نقصاً متوقعاً فى 12.9 مليون من أخصائيى الرعاية الصحية.
السؤال المهم هو «هل المرضى والأصحاء يريدون التطبيب عن بُعد؟».
الإجابة واضحة: المرضى والمستهلكون يريدون ذلك بالطبع، إذ أظهر مؤشر «مستهلك – التطبيب عن بُعد» لسنة 2018 بأمريكا، أن 50 مليوناً من المستهلكين سوف يتحولون إلى مقدمى الخدمات الذين يستخدمون تلك التقنية، مقابل 17 مليوناً عام 2017، بالإضافة إلى ذلك أظهرت الدراسة، أنَّ 60% من البالغين على استعداد لاستخدام «زيارة الطبيب باستخدام الفيديو» تريد أن ترى طبيباً على الإنترنت بشكل منتظم للمساعدة فى إدارة الحالات المزمنة، وسيستخدم 20% من الأمريكيين زيارة الفيديو من أجل الرعاية فى منتصف الليل.