فى الوقت الذى بدأت فيه البنوك اﻷوروبية النظر فى أنشطة الاندماج للمرة اﻷولى منذ عشرة أعوام، لم تكن هذه الفكرة بعيدة عن طاولة المناقشات على الإطلاق فى منطقة الشرق اﻷوسط، فقد كان هناك دائماً اندماج أو آخر يجرى مناقشته.
ودائماً ما كان عدد البنوك كبير فى المنطقة، فالإمارات لديها أكثر من 50 بنكاً فى بلد يقل عدد سكانه عن 10 ملايين نسمة، ولذلك شهدت كل دولة فى مجلس التعاون الخليجى دخول بنك واحد على الأقل فى مناقشات أو اتفق على صفقة منذ بداية العام، وهو اتجاه يتوقع استمراره.
وسلطت صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية الضوء على عدد من أكبر الصفقات المؤكدة، فقد أنهى البنك السعودى البريطانى، وبنك اﻷول صفقة اندماج بقيمة 5 مليارات دولار، بينما أعلن بنكا قطر الدولى وبروة القطريان اندماجهما، بعد فشل المناقشات السابقة حول تشكيل مجموعة ثلاثية مع بنك محلى آخر، وتجرى مناقشة مشاريع أخرى، بما فى ذلك اندماج ثلاثى آخر بين بنوك أبوظبى التجارى، والاتحاد الوطنى، والهلال.
وتعكس بعض الضغوطات التى تشجع على صفقات الاندماج فى المنطقة الاتجاهات اﻷوسع نطاقاً فى عالم البنوك.
وقال إميليو بيرا، رئيس قطاع الخدمات المالية لدى «كى. بى. إم. جى لوار جولف»، إنَّ تزايد الاشتراطات التنظيمية يعد عاملاً أساسياً بالتأكيد، كما أن الإجبار على الحصول على مستويات رأسمالية أعلى وتعزيز مجالات مثل ضوابط مكافحة غسل الأموال يحدان من عوائد البنوك التى يحصل عليها المساهمون، ما يجعل الاندماج أكثر جاذبية.
وأوضح «بيرا»، أنَّ التغييرات التكنولوجية، أيضاً، تجعل اﻷمر أكثر أهمية، فمع توسع المشهد التنافسى، وزيادة الاعتماد على التكنولوجيا يتطلب اﻷمر استثمارات كبيرة ليظل البنك تنافسياً.
وكانت هناك، أيضاً، تغييرات محلية مهمة، فقد أدى الانخفاض الحاد الذى شهدته أسعار البترول بعد عام 2014 إلى إعاقة النمو الاقتصادى وربحية البنوك، ولكن رغم ارتفاع الأسعار منذ عام 2016، قال المصرفيون، إنَّ الانخفاض كان له تأثير على اتجاهات المساهمين.
ويعد معظم البنوك فى دول مجلس التعاون الخليجى مملوكة جزئياً على الأقل ﻷذرع دولها المحلية، كما أن صفقات الاندماج تتماشى مع الجهود الأوسع لتنسيق محافظها؛ حيث يصبح البترول مصدراً أقل موثوقية للنمو على المدى الطويل.
وقال كريم تنير، رئيس الخدمات المصرفية الاستثمارية لدى «جى. بى مورجان» فى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: «منح انخفاض أسعار البترول خلال السنوات القليلة الماضية الحكومات دفعة قوية لتسريع الإصلاحات الاقتصادية، والتركيز على التنويع وخلق القيمة وتحسين التمويل، ونتيجة هذه المبادرات شهدنا زيادة فى التركيز على أسواق رأس المال وأنشطة الدمج والاستحواذ من جانب الكيانات المرتبطة بالحكومة والصناديق السيادية».
وأكد كريستيان ويكلوند، رئيس عمليات الاندماج والشراء فى أفريقيا والشرق الأوسط فى مؤسسة «ستاندرد تشارترد»، منطقية إجراء المزيد من الاندماجات، محذراً من عدم وجود عامل خارجى يحثها على الحدوث، فاﻷمر ليس كما لو كان فى وضع الأزمات.
ورغم تباطؤ النمو، لا تزال بنوك المنطقة تتسم بالربحية العالية، فقد ارتفعت اﻷرباح الصافية فى 56 من كبار مقرضى دول مجلس التعاون الخليجى بنسبة 6.7% على أساس سنوى فى عام 2017، بينما كانت مستويات رأس المال أعلى بكثير من الحد اﻷدنى التنظيمى، كما أن القروض المتعثرة وصلت نسبتها إلى 3.2% فقط، وذلك وفقاً لمحللى مؤسسة «كيه. بى. أم. جى».
وفى الوقت ذاته، من المتوقع ندرة الصفقات العابرة للحدود، كصفقة استحواذ بنك الإمارات دبى الوطنى على «دينيز بنك» التركى التى تبلغ قيمتها 3.2 مليار دولار.
وقال أحد كبار المصرفيين الاستثماريين فى دبى: «تحتاج الإدارة إلى الكثير من الوقت للتعامل مع هذا النوع من المشاريع الكبيرة، فهم لا يقومون بعمليات الاندماج والاستحواذ يومياً لذا هناك الكثير من العمليات التى ينبغى القيام بها».