التجربة اليابانية.. أغذية مجففة بالتجميد وأحذية نسائية للتنقل بين الأنقاض
فى يناير 2017، أمضت المخرجة “جاريت برادلى” التى تعيش فى “نيو أورليانز” أسبوعين فى طوكيو لإجراء بحث عن مشروع قيد الإنشاء من المقرر إطلاقه فى عام 2019، وفى ساحة معرض فنى يديرها فنان فى “شيودا”، قالت زميلة يابانية لها، إنه يجب عليها إنهاء بحثها فى وقت قريب لأن هناك زلزالاً سيأتى خلال الثلاثين عاماً القادمة وطوكيو قد تحتاج إلى إعادة بناء كمدينة من جديد وبالكامل.
فى البداية لم تكن “برادلى” موقنة مما إذا كان هذا مجرد رأى فردى لكن أصبح واضحاً لها طوال فترة إقامتها أن هذه التوقعات كانت منتشرة على مستوي الرأى العام.
وفى الواقع، يعتقد الخبراء أن طوكيو أكثر عرضة لتجربة زلزال يفوق 7 درجات على مقياس ريختر فى وقت ما خلال العقود الثلاثة المقبلة، والذى قد يفوق زلزال “توهوكو” الذى بلغت قوته 9 درجات على سبيل المثال وضرب البلاد عام 2011 وهو أحد أقوى الزلازل التى تم تسجيلها فى أى مكان على سطح الأرض.
ولقد فعلت اليابان أكثر من أى دولة أخرى للتحضير لهذه الكوارث التى لا مفر منها ولا يمكن التنبؤ بها وأهم ما قامت به هو تجذر هذا الترقب فى لهجة فلسفية وثقافية لدى المواطنين وليس فى البنية التحتية للبلاد وحدها.
فى شهر أبريل عادت “برادلى” إلى طوكيو وأصبح هذا التوقع موضوعاً لأحدث أفلامها الوثائقيّة القصيرة، “The Earth Is Humming”.
ويأخذ الفيلم المشاهدين لداخل مركز “إيكبو كورو” للتعليم ذو الصلة بالكوارث وهو واحد من عشرات المرافق بجميع أنحاء البلاد حيث يمكن للسكان تعلم كيفية النجاة من زلزال كبير وتوابعه.
وسيكون للمشاهد الافتتاحية للفيلم الوثائقى صدى لدى أى شخص كان عليه مشاهدة أحد مقاطع الفيديو التدريبية الخاصة بالسلامة من أجل العمل أو المدرسة.
وتظهر فى البداية امرأة شابة فى سترة وربطة عنق ترشد المشاهد حول زلزال بقوة 7 درجات ويظهر رجل كبير فى السن يقود طفاية حريق على عجل بينما يمارس المشاركون الصراخ “النار” وفى سلاسة يجرى تفريغ طفايات الحريق على النيران ثنائية الأبعاد التى ترقص على الشاشة.
وفى أعقاب زلزال 2011 كان على الحكومة اليابانية تدريب الناس على السيناريو الأسوأ وهو الاستعداد للبقاء على قيد الحياة لمدة 3 أيام على الأقل دون مساعدة حكومية بعد كوارث بهذا الحجم ولعدة أسابيع بدون مياه وكهرباء.
وبحسب “برادلى”، فإنها وجدت الناس فى الشارع على دراية بطبيعة نظام اجتماعى وبروتوكول موجود بمنطقة طوكيو للتصرف فى مثل هذه الحالات وهو أمر ليس لديها فى بلدها بالولايات المتحدة حيث أن الناس فى الشارع سيكون لديهم اجابات مختلفة حول طرق التصرف وقت الأزمات، حيث لا يوجد نظام مشترك يعتنقه الأمريكيون فى مثل هذه المواقف.
ويسلط فيلم “برادلى” الضوء على الخيط الرفيع بين التحضير والتخويف برسائل الكوارث فى وقت تعانى وكالة إدارة الطوارئ الفيدرالية من مشاكل فى توفير المعلومات والخدمات قبل وأثناء وبعد الكوارث الطبيعية وكذلك السياسيين على حد وصف تقرير لموقع “باسفيك ستاندرد”.
ويناقش التقرير الفارق فى تناول الإعلام الأمريكى للأخبار التى تجعل الناس خائفين وسلبيين بدلاً من مساعدتهم فى بث ثقافة الثقة والتعاون ومساعدتهم ليكونوا أصحاب المبادرة فى مواجهة الأزمات.
ويشير التقرير إلى أن تكرار حوادث الكوارث فى اليابان خلق لديهم ثقافة التحضير لها مسبقاً بغض النظر عما ستفعله الحكومة حينها أو لن تفعله.
فعلى سبيل المثال توجد متاجر متخصصة على غرار “ساى شوب” تبيع منتجات مناسبة للاستعداد لحالات الطوارئ مثل الأطعمة المجففة بالتجميد والأجهزة اللوحية التى تطهر وتزيل المخلفات البشرية عندما تتوقف المراحيض عن العمل.
وتوجد منظمة غير ربحية تتعاون مع شركة مطاطية لتصميم أحذية للنساء تتميز بالصلابة من أجل التنقل بين الأنقاض بعد وقوع الكارثة.
وبطبيعة الحال، لا يمكن لأى درجة من الاستعداد أن تعوض المخاطر المرتبطة بالعيش فى واحدة من أكثر الأماكن عرضة للزلازل على كوكب الأرض، لكن نطاق أى كارثة لا يتم تحديده حصراً بقوة الزلزال، لكن بطريقة استجابة الناس له ولذلك أهمية كبيرة فى تقليل الخسائر البشرية والمادية.
ولفت التقرير الانتباه إلى أنه غالباً ما ينتج عن أضخم الضرر للكوارث الكبرى فى الولايات المتحدة مثل أعاصير كاترينا وهارفى وماريا، القرارات البشرية التى تؤدى إلى عدم الاستعداد الكافى وسوء توزيع الموارد، والفشل فى إعادة البناء استعداداً للكارثة القادمة.
ويقول “ساتوكو أوكى” خبير الزلازل فى الأرض إنه بالنسبة له فإن الزلزال مجرد ظاهرة طبيعية وليس كارثة، لكن عدم استعدادهم هو مصدر الكارثة.