“ساقية أبو شعرة”.. الاستثمار في مملكة السجاد العالمى


 

ارتفاع أسعار المادة الخام وصعوبة التسويق.. أبرز مشاكل الصناع

الصين تدخل المنافسة وسط انخفاض الطلب على المنتج المصري
القزاز: 11 مليوناً دعما فوريا.. ومدينة صناعية في الطريق

 

تشتهر محافظة المنوفية بأنها محافظة زراعية بالدرجة الأولى.

لكن ربما لا يعرف البعض، أن صناعات صغيرة وبيئية تتمركز في المنوفية، خصوصا في نطاق أشمون، ومنها صناعة الصدف في ساقية المنقدي، و الفخار في قرية جريس ، و صناعة السجاد اليدوي في ساقية أبو شعرة.
وساقية أبو شعرة ، هي القرية الأم لصناعة السجاد اليدوي المصري، إذ يعود عمر الصناعة بها إلى نحو 63 عاما، عندما بدأ أهالي القرية عام 1955 التدريب على الأنوال في منطقة الدراسة بالقاهرة ، ثم نقلوا خبرتهم التي اكتسبوها إلي بعض أهاليهم في هذه القرية.

وكانت البداية بإنتاج نوع محدد من السجاد الصوف والكليم، وتطور الأمر إلى كافة أنواع السجاد اليدوي من الصوف والحرير والصوف المطعم بالحرير، لدرجة أن سجحادها لايزين القصور الرئاسية في العالم، ويصل ثمن السجادة الكبيرة الواحدة إلى مليون جنيه .
“البورصة” انتقلت إلى القرية التي تقع جنوب المنوفية، قرب حدودها مع الجيزة والقليوبية، ورصدت إلي أين وصلت الأمور في صناعة السجاد اليدوى، بعدما كثرت شكاوي الصناع هناك من تدهورها، وقلة الأيدي العاملة ؟
استقبلنا في البداية، المهندس طارق سعد، رئيس الوحدة المحلية بساقية أبوشعرة، وقال لـ”البورصة”، إن العاملين في مهنة السجاد اليدوي، اشتكوا كثيرًا بلا نتيجة. وظهر علي رئيس الوحدة المحلية الحزن، وهو يعدد أسماء العمال المهرة الذين تركوا المهنة، وكيف أن معدلات البطالة زادت في القرية، بسبب انخفاض الطلب على السجاد اليدوي، بعد أن كان يعمل في المهنة أغلب الشباب، وكانت المهنة “فاتحة بيوت” على حد قوله.
تركنا رئيس الوحدة المحلية، وانطلقنا نتحدث لأرباب المهنة فاستقبلنا مجدي عبدالرحمن، صاحب أحد مصانع السجاد اليدوي في القرية، والذي بدأ يحكي عن الوضع قائلًأ:”منذ عدة سنوات كان لدي أكثر من 10 أنوال ، يعمل عليها الصنايعية ليلا ونهارا، بجانب عدد كبير من العمال.

وكان الطلب على السجاد كبيرا.. لكن بدأت الأزمة الأولى بعد حرب الخليج، واستمرت عدة سنوات. وبعدما عاد الوضع بصورة نسبية ليكون جيدًا، جاءت أحداث ثورة يناير، ليتوقف بعدها التصدير بصورة شبة كاملة، مما أثر في الطلب على الإنتاج.

وتجمعت على الصناعة عوامل أخري، زادت أزمتها، منها ارتفاع سعر المواد الخام وخصوصًا الحرير .
ويكمل مجدي حديثه بحسرة، ويقول: “نستورد الحرير الخام من الصين .. وبالتالي فإن تكاليف الاستيراد العالية تقلل هامش الربح، وتجعل صناعة السجاد اليدوي في احتياج دائم لرأس مال كبير، رغم أننا يمكننا انتاج هذا الحرير هنا في مصر مما سيقلل التكلفة”.

أضاف أن الأوضاع ازدادت سوءًا، مع دخول المنتجات الصينية المنافسة، إذ إن الصين عندما وجدت مصر تستورد منها الحرير وتصنع منه السجاد اليدوي، وتبيعه، أرسلت عددا كبيرا من مواطنيها إلى مصر وتركيا وإيران ليتعلموا أصول الصنعة، ونجحوا في إنشاء صناعة خاصة بهم نافست في السوق العالمي، حتى سبقت منتجات ساقية أبو شعرة.
وأكد صاحب المصنع، أن أهالي القرية ينتجون أجود أنواع السجاد.. وربما تصل مساحة السجادة الي 54 مترا مربعا ، وسعرها إلي مليون جنيه .

أما المدة التي يستغرقها إنتاج سجادة كبيرة، فتصل إلى عدة شهور متتالية.. لكن في الصيف يتم إنتاج أعداد أكبر بسبب الإجازة الصيفية وعمل الأبناء مع الصنايعية.. ويقل الإنتاج في فصل الشتاء.
ويعمل بالمهنة حاليا نحو 3 الي 4 آلاف من أهالي القرية يمثلون أقل من 16% من عدد السكان الذي يتجاوز 24 ألف نسمة ، بعد أن كان يعمل بها نحو 60% من السكان.. لكن مع عدم وجود سوق للتصدير وصعوبة الحصول علي المواد الخام وارتفاع الأسعار، قل العدد.

ويبدأ سعر السجادة الواحدة من 5 آلاف جنيه وذلك للمساحات الصغيرة.
أشار مجدي، الي أن جميع منتجات السجاد الموجودة بأسواق خان الخليلي من القرية، .. وتظهر فيها دقة الصانع اليدوي .
وتجولت “البورصة” في المصنع الصغير، لتكتشف بوضوح أن نصف الأنوال معطل، والغبار يعلوها.. ويدل ذلك على توقفها منذ سنوات عن العمل، إذ لا يعمل في المصنع سوى 4 فتيات صغيرات على اثنين من الأنوال.
أعمل هنا 8 ساعات يوميًا، هكذا

وتقول سارة، ذات السبعة عشر عامًا والتي تعمل في المصنع 8 ساعات يوميا، إنها تعلمت المهنة وهي في السابعة من عمرها، لتنفق على تعليمها، موضحة أن الأوضاع اختلفت حاليا عن السنوات العشر السابقة.. وهناك ركود عام في البيع. كما أنها لا تعمل كل الأيام.
انتقلنا من مصنع “الحاج مجدي”، إلى منزل محمود عبدالسلام، الذي يعيش في بيت من الطوب اللبن، واحتل نول السجاد اليدوي غرفة في طابقه العلوي.
قال محمود، إنه يعتبر مهنة صناعة السجاد اليدوي صاحبة فضل عليه، خصوصًا بعدما اقترب ابنه الكبير من التخرج في كلية الطب العام المقبل، ويحمد الله على أنه استطاع أن يربي أبنائه من تلك المهنة .
لكنه يشتكي من أن الأوضاع أصبحت صعبة. فالخامات أصبحت باهظة الثمن ولا يستطيع شرائها سوى التجار الأغنياء، بينما يضطر للعمل لهم بالقطعة، ويصنع سجادة تقريبُا كل عام، وما يجنيه لا يستطيع إعاشته عدة شهور في العام.
محمود تداعت عليه أعباء أخري ، إذ أصيب في عينيه بمرض الذبابة السوداء، وأخبره الأطباء، بأنه لا علاج له، وهذا قلص كثيرًا من قدرته على العمل في السجاد اليدوي لأنه بعد أقل من ساعة يفقد توازنة تمامًا بسبب مرض عينه.. ولهذا يطالب بحماي العاملين بالمهنة صحيًا، عن طريق توجيه الارشادات لهم للحفاظ على نظرهم، ويجب أن يكون لهم تأمين صحي ومعاش بعد التقاعد مثل كل من يعملون، لأن المهنة حاليًا “تأكلهم لحم وترميهم عظم” على حد قوله.
وتوجهت “البورصة” إلى الدكتور أحمد القزاز رئيس مركز ومدينة أشمون، لنعرف الخطوات الحكومية المرتقبة تجاه هذا الوضع ، وهل ستترك الحكومة الأوضاع في القرية حتى تتفاقم ؟
قال القزاز، إنه منذ توليه المسؤلية في شهر سبتمبر الماضي، وهو مهتم بتطوير الحرف التي تشتهر بها المدينة، ومنها الصدف والفخار والسجاد اليدوي.. لكن كان هناك اتفاق بالبدء في السجاد اليدوي في ساقية أبو شعرة.
أضاف:” بالنسبة لمشكلة الخامات، فإننا بالتعاون مع وزارة الزراعة، ممثلة فى مركز البحوث الزراعية أعددنا برامج لتنمية صناعة الحرير الطبيعى فى مصر، من خلال التوسع فى إنشاء مشاتل وحقول التوت، وتربية ديدان الحرير أو دودة القز، وسلالاتها وطرق إنتاجها، واستخدام طرق التفقيس الصناعى لتربية ديدان الحرير وإنتاج الحرير الخام”.
وفيما يخص مشكلة التصدير وفتح الأسواء قال رئيس مدينة اشمون، إن المشكلة في الحرفيين أنفسهم، فهم من ناحية يريدون التصدير بأنفسهم، وفي الوقت نفسه لا يريدون السير في الاعتمادات القانونية المطلوبة، كاستخراج بطاقة ضريبية والتراخيص المطلوبة.. وبالتالي يتطوع أحد التجار الكبار، ويأخذ منهم الانتاج وتكون أوراقه كاملة ولديه شركة، ويستطيع التصدير.

وحلًا لتلك المشكلة فإن الأجهزة التنفيذية ومنها مجلس المدينة، تدرس انشاء مركز أو مدينة صناعية تجمع فيها هؤلاء المهنيين ويتم تقنين أوضاعهم بصورة جماعية، تسهل عليهم بعد ذلك التصدير.
وأوضح القزاز، أنه تم الحصول على منحة بقيمة تقترب من 11 مليون جنيه، من غرفة صناعات الحرف اليدوية باتحاد الصناعات، كدعم فوري لصناعة السجاد اليدوي في ساقية أبوشعرة، يتم استخدامها في شراء الخامات، وإنشاء أسواق لبيع المنتج.
أضاف رئيس المدينة، أنه تم التواصل مع وزارة الثقافة، لتطوير تصميمات جديدة، لأن التصميمات الحالية، قديمة، ولابد من تصميمات جديدة تواكب العصر وتبرز روح الحضارة المصرية.

لمتابعة الاخبار اولا بأول اضغط للاشتراك فى النسخة الورقية او الالكترونية من جريدة البورصة

منطقة إعلانية



نرشح لك


https://alborsanews.com/2018/12/12/1159834