انخفاض الأجور وبُعد المناطق الصناعية وغياب الثقافة.. أبرز عوائق الجذب
فتيات “معتوق” تفضلن العمل من المنزل.. وشباب:” الديلفري والكول سنتر” أفضل
في صباح كل يوم، تشق فتيات وسيدات قرية معتوق بمحافظة البحيرة، شمس النهار بالعمل من منازلهن كخلايا نحل.
تفصيص وتنظيف الخضروات وإعدادها لأحد المصانع، هي المهنة اللاتي اخترنها ، وربما تكون المهنة هي التي اختارتهن، حتى يجنين لقمة العيش .
بدأت رحلة الكفاح، عندما وجد صاحب أحد مصانع حفظ وتجميد الخضروات والفاكهة بالمنطقة، صعوبة في جذب العمالة في ظل تفضيل الرجال العمل في المقاولات بمحافظة الإسكندرية لارتفاع الرواتب هناك.
ليس ذلك فحسب.. بل إن الأسر في المنطقة، تمنع عمل السيدات والفتيات في المصانع.. فقرر صاحب المصنع الذهاب بنفسه إلى المنازل، و إمداد السيدات بالخضروات صباح كل يوم لإعدادها في مراحلها الأولى داخل المنازل.
ميرفت السيد، ربة منزل أربعينية، تقول: “نساء القرية كن يمارسن فقط الأعمال اليومية المنزلية دون أي نشاط آخر.. ولم يكن هناك دخل للأسرة سوى من الأرض الزراعية، أو عمل أحد أبناء الأسرة في المقاولات. لكن مع بدء العمل في مصنع الخضروات من المنزل أصبح بإمكان كل أفراد الأسرة أن يصبح لهن مصدر دخل، إذ كان الأمر يقتصر في البداية على بعض الأسر الفقيرة، وسرعان ما تحول إلى ثقافة لدى جميع الأسر”.
وأوضحت أن عمل الفتيات من المنزل أتاح للمقبلات على الزواج المساهمة في شراء الأثاث أو “الجهاز ” دون اللجوء للعمل خارج القرية واستقلال المواصلات والتعرض للمضايقات، بجانب أن السيدات يستطعن مراعاة أبنائهن لأن العمل غير مقيد بوقت معين.
وقال ممدوح الشربيني، المدير التنفيذي لغرفة الحرف اليدوية باتحاد الصناعات، إن بعض المواطنين لديهم الرغبة في العمل بالقطاع الصناعي.. لكنهم يرغبون في العمل بالقرب من أماكن سكنهم، أو ربما لا تصل طلبات الوظائف إليهم من الأساس خصوصا في الصعيد.
وأكد ضرورة لجوء الغرف الصناعية إلى وسائل الإعلام المختلفة ، ومنها مواقع التواصل الاجتماعي للتعريف بتلك الوظائف، أو التواصل مباشرة مع مسئولي القرى والمجالس المحلية.
وأوضح الشربيني، أن غياب المعلومات عن الوظائف المتوفرة بالأقاليم يدفع الشباب إلى الهجرة للقاهرة والإسكندرية للبحث عن فرص عمل.
وأشار إلى قصة نجاح لمجموعة من السيدات في جمعية تنمية السجاد اليدوي في ساقية أبو شعرة بالمنوفية،إذ كانت تلك الحرفة على وشك الاندثار إلا أن توفير منحة للجمعية أعادها للحياة من جديد.
ووفرت الجمعية ، مواد خام للسيدات اللاتي يعملن من المنازل حتى تحول الأمر إلى مصدر دخل أساسي للأسر المنتجة، مؤكدًا أنه لو تم تعميم تلك الفكرة ستوفر العديد من فرص العمل.
وطالب محمد الشبراوي، عضو مجلس إدارة اتحاد الصناعات المصرية، الحكومة باستحداث وزارة تختص بشئون التعليم الفني فقط للعمل وفقًا لنظام التعليم المزدوج، وإلا لن ينهض هذا المجال في مصر.
وأكد ضرورة تحفيز الطلبة على الانضمام للتعليم الفني والمزدوج من خلال تقليل مدة فترة تجنيد الخريج إلى عام واحد فقط أسوة بالحاصل على تعليم جامعي، فضلًا عن زيادة رواتبهم.
ولفت إلى أهمية إدخال الطالب ضمن منظومة التعليم الفني في سن مبكرة عقب المرحلة الابتدائية بحيث يتم تشكيله منذ الصغر على الحرفة التي يختارها.
وتابع: “العامل الفني مثل لاعب كرة القدم..ولا بد أن يتم تدريبه على الحرفة مبكرًا ليتم تطوير مهاراته واستخدام كافة الوسائل التكنولوجية الحديثة”.
وقال الشبراوي، الذي يشغل عضوية مجلس إدارة غرفة صناعة الأثاث، إنه خلال 10 سنوات لن يوجد “صنايعية” بالقطاع. و ما يجعل الأمر لا يمثل أزمة كبيرة حاليًا هو استخدام ماكينات حديثة في بعض المصانع الكبرى.
كما طالب بتغيير ثقافة الأسر نحو توجيه أبنائهم إلى التعليم الفني والمزوج، خصوصا أن معظم خريجي الجامعات لا يعملون في تخصصاتهم الجامعية.
ولفت إلى أنه بعض المصانع لا تحتاج إلى عامل مدرب وجاهز، وإنما إلى شباب لديهم النية للعمل بالقطاع الصناعي، على ان تقوم تلك المصانع بتدريبهم وتزويدهم بالخبرة اللازمة.
وقال أسامة حفيلة، رئيس جمعية مستثمري دمياط، إن معظم مصانع دمياط تبحث عن عمالة في الوقت الذي تعاني فيه الحكومة من زيادة البطالة، كوْن معظم المواطنين يفضلون العمل الإداري بالقطاع الخاص في انتظار الوظائف الحكومية.
وأضاف أن بعض المدن الصناعية، ومن بينها دمياط، بدأت تتجه إلى توفير مساكن للعمال لتحفيزهم على الانتقال بالقرب من المصانع، فضلً عن توفير وجبات وتأمين طبي.
ولفت إلى أن الحكومة يجب أن تتوجه نحو التعليم الفني. فخريجي الجامعات أصبحوا يمثلون النسبة الأكبر من البطالة، مضيفا :”هل يهم الشباب أن يتخرجوا من الجامعات ولا يجدوا وظائف”.
وأكد على أهمية ربط احتياجات سوق العمل بأعداد المقبولين في التعليم الجامعي، بالإضافة إلى زيادة عدد المدارس الفنية التي تعمل وفقًا لنظام التعليم المزوج لتدريب الطلبة في المصانع بجانب الدراسة، ما يساهم في تخريج عمال ذوي خبرة جيدة.
وقال محمد شعبان، عامل توصيل طلبات “دليفري” في أحد مطاعم القاهرة، إن فكرة العمل في مصنع غير مجدية على الاطلاق بالنسبة لرب أسرة، في ظل الأجور المحدودة للمصانع، وارتفاع تكاليف المعيشة.
وأضاف: “مرتبي 2000 جنيه في المطعم بالإضافة إلى الإكراميات ورسوم خدمة على كل طلب يتم توصيله للعميل، وهذا الراتب يكفيني بالكاد أنا وزوجتي وثلاثة أطفال، وبالتالي العمل في أي مصنع لن يعطيني هذا المبلغ”.
وتقول أم محمد، عاملة في حضانة أطفال، أنها فضلت العمل في حضانة براتب ٧٥٠ جنيهًا بالقرب من منزلها عن العمل في مصنع ملابس بالعاشر من رمضان براتب ٢٠٠٠ جنيه.
وتابعت: “لم أعمل من قبل، ولكن في ظل ارتفاع الأسعار وتكلفة المعيشة أردت مساعدة زوجي، ولم أجد أمامي سوى العمل في مكان على مقربة من منزلي ومواعيده مناسبة بعكس العمل في المصنع الذي سيضيع يومي بالكامل”.
تلك القصص لأفرد غير حاصلين على شهادة جامعية، ولكن على مستوى التعليم الجامعي الأمر أكثر تعقيدا، خاصة وأن الشاب يرغب في وظيفة تتناسب مع مؤهلاته.
يقول محمد أيمن، حاصل على ليسانس إدارة أعمال، أنه يعمل “خدمة عملاء”.. ولم يكن لديه أي خبرة فور تخرجه من الجامعة، وهو ما يتوافق مع تلك الوظيفة التي لا تحتاج خبرة.
وأكد أن هذة الوظيفة ملائمة له ، خصوصا وأنها لا تتطلب مجهودا أو تنقلا.
وحول إمكانية العمل في مصنع، قال:”لا يناسبني إطلاقًا، فلم أتعلم كل تلك السنوات لأكون في النهاية عاملا في مصنع”.
ويقول مدير إحدى المطاعم في المعادي، إنه يبحث عن ١٢ شاب للعمل، وأعلن عن ذلك في عدة مواقع ولم يأت له سوى 5 شباب فقط لإجراء مقابلة.
وأضاف أن الشباب لا يرغبون في العمل ويفضلون التحرر من القيود، أو الالتحاق بوظائف لا تعتمد على بذل مجهود مثل “الكول سنتر”
