بقلم: كومال سرى- كومار
رئيس ومؤسس شركة «سرى كومار جلوبال ستراتيجيز»
تحمل أحدث المؤشرات الاقتصادية، رسالة للمستثمرين الذين يحاولون تعديل محافظهم الاستثمارية توقعاً لوقوع ركود بنهاية 2020، وهى أنهم قد يضطرون إلى الاستعداد لركود مبكر فى 2019.
ونقلت وكالة أنباء «بلومبرج» عن البنك الفيدرالى فى ولاية نيويورك، أن احتمالات وقوع ركود بعد عام من الآن ارتفعت إلى 16%، وهى النسبة الأعلى منذ نوفمبر 2008.
وما يشير إلى تقدم موعد الركود هو السرعة التى تحركت بها الأسواق، وكان التحرك الأكثر أهمية يتمثل فى تراجع أسعار البترول، ورغم اتفاق «أوبك» وروسيا، أوائل الشهر الماضى على خفض الإنتاج بمقدار 1.2 مليون برميل يومياً بدءاً من الشهر الجارى، فإنَّ خام «غرب تكساس الوسيط» تراجع أكثر من 40% من أعلى مستوى له فى عام أوائل أكتوبر الماضى، وهذا يعود إلى التوقعات بتراجع الطلب على الطاقة أكثر من الخفض فى الإنتاج الذى ستنفذه «أوبك» وحلفاؤها.
وخفض صندوق النقد الدولى توقعاته للنمو العالمى لعام 2019، مع توسع الولايات المتحدة والصين بوتيرة أبطأ، ويوم الاثنين الماضى، أظهرت البيانات انخفاض مؤشر مديرى المشتريات الصينية إلى 49.4 نقطة فى ديسمبر، وهى أضعف قراءة من أوائل 2016 وأقل من مستوى 50 نقطة الذى يشير إلى الانكماش.
وشهدت اليابان، أحد أكبر مستوردى البترول فى العالم، انكماشاً فى الناتج المحلى الإجمالى خلال الربع الثالث، ومن المتوقع أن يمتد الضعف الاقتصادى إلى 2019.
كما أظهرت أحدث بيانات قطاع الإسكان الأمريكية، العمود الفقرى للاقتصاد المحلى، بدء الضعف فى القطاع؛ حيث أدى ارتفاع أسعار المنازل بعد الأزمة المالية العالمية فى ظل الزيادات الطفيفة فى الأجور والمرتبات إلى تقليص قدرة الأفراد على شراء المنازل، وكانت هذه الصفعة المزدوجة حادة، لدرجة أنها دفعت بعض مشترى المنازل إلى تأجيل مشترياتهم.
وعندما رفع الاحتياطى الفيدرالى أسعار الفائدة فى 19 ديسمبر للمرة الرابعة العام الجارى ازدادت احتمالات وقوع الركود بقدر كبير، وكان السوق مستعداً لهذا الرفع، ولكن عندما أعلن رئيس الفيدرالى، جيروم باول، فى مؤتمره الصحفى، أن البنك المركزى يتوقع رفع الفائدة مرتين فى 2019 وقعت الصدمة. وتسبب «باول» فى مفاقمة التأثير على السوق بعدما أفاد بأن ميزانية الفيدرالى التى تم تخفيض مشترياتها إلى وتيرة شهرية بقيمة 50 مليار دولار أصبحت على نظام «الخفض الآلى».
أما أسواق السندات فقد أشارت إلى ازدياد احتمالية الركود من خلال التحول فى منحنيين مهمين لسندات الخزانة الأمريكية، الشهر الماضى، مع انخفاض العائد على الأوراق أجل 5 سنوات عن تلك لأجل عامين وثلاثة أعوام، وضاق الفارق فى العائد بين سندات الخزانة لأجل عامين و10 أعوام بقدر كبير بعد رفع الفائدة فى ديسمبر وتعليقات باول إلى أقل من 10 نقاط أساس.
وتعد أحداث الشهر الماضى مهمة للمستثمرين الذين يضعون تصوراتهم لعام 2019، كما يجب الانتباه إلى النقاط التالية:
سوف يتراجع النمو الاقتصادى الأمريكى على الأرجح فى النصف الأول من العام الجارى من وتيرته السريعة المشهودة فى الربعين الثانى والثالث من 2018 مع تلاشى تأثير خفض الضرائب على الشركات نهاية 2017.
لن يسجل الاقتصاد الأمريكى ربعين متتابعين من النمو السلبى فى الناتج المحلى الإجمالى بحلول منتصف 2019، ولكن سيبدو الاقتصاد وكأنه دخل فى ركود.
يعرف المكتب الوطنى للأبحاث الاقتصادية، وهو المحدد غير الرسمى للدورات الاقتصادية، الركود بأنه «تراجع حاد فى النشاط الاقتصادى والذى ينتشر عبر الاقتصاد ويدوم عدة أشهر»، فتوقعوا أن ينعكس ذلك فى انخفاض أسعار الأسهم بمجموعة عريضة من القطاعات.
لم يسعد «باول» المستثمرين فى المؤتمر الصحفى فى 19 ديسمبر، وبمجرد أن تظهر علامات الضعف، لن يكون الفيدرالى قادراً على رفع اسعار الفائدة مرتين العام المقبل فحسب وإنما قد يخفضها أو يوقف تقليص برنامج مشتريات الأصول.
قياساً على فترات الركود السابقة، قد يصبح الفارق فى العائد بين عائدات الخزانة لأجل عامين وعشرة أعوام إيجابياً بنهاية 2019 إذا خفض الفيدرالى العائد، فعلى سبيل المثال، وصل الفارق إلى 250 نقطة أساس فى نوفمبر 2008 عندما كان الاقتصاد لا يزال فى ركود.
توقعوا أن ينخفض عائد سندات الخزانة طويلة الأجل ما سيقدم عائداً إيجابياً خلال الركود.
حتى إذا أصبح منحنى سندات الخزانة إيجابياً، قد تبدأ الأسهم فى الشعور بتأثير الركود وستكون هى فئة الأصول الأكثر تضرراً من الركود.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: وكالة أنباء «بلومبرج»