“اقتصادنا يا تعبنا” الحلقة 97
لا شك أن انخفاض أسعار البترول من 85 دولارا للبرميل خلال 2018 ثم الانخفاض المتتالى خلال الربع الأخير من 2018 واستمراره عند مستويات منخفضة خلال يناير 2019 دون الـ 60 دولارا ؛ هو أمر فى غاية الأهمية للدول المستوردة للبترول ؛ لأنه سيقلل العبء الكبير على موازنات تلك الدول ومنها مصر والتى تفرضها اسعار البترول عالميا الى جانب التحدي الأكبر وهو زيادة الديون وأعبائها.
وكان من أسباب ضعف أسعار النفط خلال النصف الثاني من العام الحالي المخاوف بشأن مدى تأثير التباطؤ الاقتصادي على نمو الطلب بالإضافة الى مخاوف تخمة المعروض ؛ حيث توقع صندوق النقد الدولي ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن ينمو الاقتصاد العالمي بوتيرة أبطأ في 2019 عن المتوقع ؛ حيث توقعت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في نوفمبر 2018 أن يتباطأ نمو الاقتصاد العالمي إلى 3.5 بالمئة في 2019 مقارنة مع 3.8 بالمئة في العام الحالي.
كما ذكرت وكالة الطاقة الدولية أن الضبابية بشأن التوترات التجارية والسياسات النقدية والحمائية الأكثر تشددا تواصلان التأثير على الثقة والاستثمار؛ وهو ما قد يتسبب فى تراجع توقعات الاقتصاد العالمي في 2019 الصادرة عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في خفض نمو الطلب على النفط بنحو 100 ألف برميل يوميا.
وبالنسبة لمصر فإن زيادة قدرها دولار واحد للبرميل سوف تكلف الموازنة 4 مليارات جنيه.. أي أن موازنة مصر تنفست الصعداء لأنها الموازنة قدرت سعر البترول ليدها بسعر 67 دولارا للبرميل.. وبالتالى جاء هذا الانخفاض فى صالح الموازنة المصرية؛ مما سيوفر موارد للدولة كانت ستذهب لتمويل تلك الزيادات الكبيرة.
وتنتوى الحكومة المصرية تطبيق آلية التسعير التلقائى للوقود بدءا من يناير 2019 لتصل إلى التحرير الكامل لبنزين 95 فى أبريل 2019 ؛ وذلك فى إطار برنامج الإصلاح المالى والنقدي تحت مظلة صندوق النقد الدولى ، حيث تم تأخير صرف الشريحة الخامسة من قرض الصندوق وقبل الأخيرة (2 مليار دولار) نظرا لتأخر مصر فى بعض الالتزامات المقررة وفقا للبرنامج ومنها آلية تسعير الطاقة ؛ تحت إلتزام رفع الدعم عن المحروقات كأحد الموارد لتقليل عجز الموازنة بالإضافة إلى إجراءات اخري لترشيد الإنفاق وتخفيض الدين العام (المحلى والاجنبي – اللذان تخطى 110% من الناتج المحلى الاجمالى) وزيادة الموارد وزيادة الاستثمارات.
وبالنسبة لآلية “التسعير التلقائي” للمواد البترولية، والتي ستبدأ على بنزين 95 كما ذكرنا، فقد صممت للحفاظ على نسب استرداد تكاليف توفير المنتجات البترولية في السوق، بالإضافة إلى الحفاظ على الموازنة العامة للدولة من أي تغيرات غير متوقعة في سعر الصرف وأسعار النفط العالمية.
وفكرة آلية التسعير التلقائي للمواد البترولية ببساطة، تقوم على وضع معادلة سعرية، تشمل أسعار البترول العالمية، وسعر صرف الجنيه أمام الدولار، بالإضافة إلى أعباء التشغيل داخل مصر وحصة الواردات في الوقود المستهلك في السوق المحلي ؛ بحيث تسمح بارتفاع وانخفاض سعر المنتج، بحسب التغير في عناصر التكلفة، بما يساهم في خفض تكلفة دعم الطاقة في الموازنة العامة للدولة.
وكثير من بلدان العالم، تربط سعر الوقود بالتغيرات التي تحدث في أسعار البترول العالمية، فإذا ارتفع سعر البترول يرتفع سعر الوقود، وإذا انخفض البترول ينخفض سعر الوقود ؛ بحيث يتبقى رفع أسعار الكهرباء فى يونية 2019 فى ضوء الإلتزامات التى تم وضعها.
كل هذه الإجراءات هى إلتزامات فى ضوء برنامج الإصلاح المالى والنقدي ؛ والذى شارف على الانتهاء خلال العام الحالى (متوقع سبتمبر 2019) ؛ وهو ما يفرض على الحكومة التفكير فى عدة أمور منها ماذا بعد الصندوق؟ وكذلك توجيه الإنفاق إلى المواطن والخدمات (تعليم وصحة) والمرافق والبنية الاساسية (مياه-صرف صحى- طرق…) التى تمس حياته اليومية.
فإذا كانت الأربع سنوات الأولى من فترة الرئيس كانت مهمة لاستعادة التوازن والمشروعات القومية ومشروعات البنية الأساسية؛ فإن السنوات القادمة يجب أن تكون منصبة على المواطن والارتقاء بمستوياته المعيشية.
وما نبغى إلا إصلاحا وتوعية..