أسعار البنزين تتراجع عالمياً لكن أسعار زيت الوقود ترتفع
كان النصف الثاني من عام 2018 فترة صعبة للغاية بالنسبة لمصافي تكرير البترول، فقد شهدت أداءً تجارياً ضعيفاً نتيجة مجموعة كاملة من التطورات المعاكسة في السوق، ولكن هناك سؤال مهم يدور حول ما إذا كانت هذه التطورات السلبية مؤقتة أم دائمة.
وقالت مجلة “فوربس” اﻷمريكية، إن هناك حدثين رئيسيين تحديا قطاع تكرير البترول في العام الماضي، وهما الارتفاع السريع في أسعار البترول الخام في الربع الثالث من العام والانحرافات غير المتوقعة الرهيبة في تسعير المنتجات.
وارتفعت أسعار البترول الخام بحدة في ظل خوف سوق البترول من فقدان كل صادرات البترول الإيراني إلى السوق العالمى بمجرد إعادة فرض الولايات المتحدة للعقوبات في بداية نوفمبر الماضي، بالإضافة إلى ذلك واجهت شركات مصافي التكرير صعوبة في تمرير التكاليف الإضافية التي تكبدها المستهلكون، ليبدأ بذلك المستهلكون في تغيير أنماط الشراء استجابة للأسعار المرتفعة.
وعادة ما يتم تسعير وقود النقل البري بسعر أعلى من البترول الخام، فهو عبارة عن خلطات معقدة من مكونات يتم إنتاج الكثير منها من وحدات تكرير متطورة وذات تكلفة عالية في البناء والتشغيل، في حين أن المنتجات اﻷخرى، مثل زيت الوقود، عادة ما يتم تسعيرها بسعر منخفض بالنسبة للبترول الخام، نظرا للسهولة التي يتمتع بها في العرض وفي منافسة مع مصادر الطاقة اﻷخرى الأقل تكلفة، مثل الغاز الطبيعي والفحم.
وشهدت آسيا، لفترة وجيزة خلال العام الماضي، تسعير البنزين بسعر منخفض بالنسبة للبترول الخام، كما أن سعره كان أقل من زيت الوقود، ويرجع ذلك إلى مزيج يتكون من أسعار البنزين الضعيفة وأسعار زيت الوقود القوية.
ومع ذلك، تغيرت بيئة أسعار البترول الخام بشكل كبير خلال الأشهر الأخيرة، فبعد وصول سعر خام برنت إلى ذروتها التي تزيد على 85 دولاراً للبرميل، انهارت أسعاره إلى ما دون 50 دولاراً للبرميل، حيث منحت الإدارة الإمريكية بعض الدول إعفاءات من العقوبات المفروضة على إيران في الدقيقة الأخيرة.
بالإضافة إلى ذلك، تنتج بالفعل الدول اﻷخرى الأعضاء في منظمة أوبك مستويات قياسية من البترول للتغلب على الخسائر المتوقعة في إمدادات البترول الإيراني، وبالتالي تجنب ارتفاع أسعار البترول بشكل أكثر.
ونتيجة لذلك، شهد سوق البترول العالمي فائضاً في المعروض بشكل مفاجئ، اﻷمر الذي اجتمع مع المخاوف التي تدور حول ضعف الاقتصاد العالمي ودفع سعر البترول الخام إلى الانخفاض بشكل حاد.
وأكدت أوبك مرارا وتكرارا عزمها على الحفاظ على توازن سوق البترول من خلال تقييد الإمدادات، مما يساعد على استقرار أسعار خام برنت عند مستويات تقترب من 60 دولاراً للبرميل، وهو المستوى السعري الذي من المتوقع أن يصل إليه سعر البترول الخام، إن لم يكن أعلى قليلاً، خلال بقية عام 2019، على الرغم من تقلبات السوقية.
وأشارت “فوربس” إلى أن المفارقة التي يشهدها سعر المنتج تعد مشكلة هيكلية أكثر، ومن المعتقد أن تظل أسعار البنزين منخفضة نسبيا وأسعار زيت الوقود قوية نسبيا في النصف الأول من العام الجاري، مرجعة السبب الرئيسي في ضعف التوقعات الخاصة بالبنزين إلى انخفاض نمو الطلب في الوقت الذي ينمو فيه المعروض في ظل ظهور عدد من المشاريع.
بالإضافة إلى ذلك، تتحول منطقة الشرق الأوسط من مستورد صافي للبترول إلى مصدر صافي خلال العام الجاري، ويرجع ذلك إلى المشاريع المتواجدة في إيران والإمارات، فقد أكملت إيران المرحلة الثالثة والأخيرة من مشروع يعالج المكثفات البترولية المحلية لإنتاج بنزين عالي الجودة، أما الإمارات فقد أعادت تشغيل وحدة تكرير البترول الكبرى لديها بعد إغلاقها نظرا لحدوث انفجار بها في بداية عام 2017.
وأوضحت المجلة اﻷمريكية أن الجمع بين هذا النمو ونمو الإمدادات القوي في آسيا يدل على تفوق وتيرة نمو إمدادات البنزين العالمية على الطلب، مما يدل على بقاء الأسعار الضعيفة كما هي.
ومن المتوقع أيضا حفاظ زيت الوقود على قوته بشكل نسبي في النصف الأول من العام الجاري.
وعلى الصعيد العالمي، أصبحت قائمة النفط الخام أخف وزنا، في ظل نمو إمدادات البترول الخام الأمريكي بسرعة كبيرة لتقوم أوبك بذلك بتقييد إنتاجها مرة أخرى، فالخامات البترولية الخاصة بالشرق اﻷوسط عادة ما تكون أثقل من البترول الأمريكي، فهي تحتوي على كمية أكبر من مكونات زيت الوقود، كما أن ضبط إمدادات أوبك يحد من إمدادات مكونات زيت الوقود إلى نظام التكرير.
وفي الوقت نفسه، تقوم شركات تكرير البترول بالاستثمار، كما أن مصافي التكرير الجديدة لا تنتج سوى القليل من زيت الوقود وربما لا تنتجه، بينما يتم تحديث المصافي المتواجدة بالفعل لتحويل زيت الوقود إلى وقود نقل أكثر قيمة، فعلى سبيل المثال، تستثمر شركة “إكسون موبيل” اﻷمريكية في وحدة كوكر في مدينة أنتويرب البلجيكية التي يجري تشغيلها في الوقت الراهن.
وهناك تغيير جوهري قادم لتعطيل ديناميكية زيت الوقود، فقد قدمت المنظمة البحرية الدولية تشريعات للحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكبريت من الشحن الدولي بداية من يناير 2020، وهذا التغيير الكبير له آثاره على قطاع الشحن والتكرير، ففي حالة كهذه قد يتم التخلي عن استخدام زيت الوقود عالي الكبريت واستبداله بوقود منخفض الكبريت، مما يخفف من التشدد في إمدادات زيت الوقود، ليحل محله الطلب على الوقود منخفض الكبريت، مثل وقود الديزل والغاز.