من المسلم به، أن العام الماضي كان عاما صعبا للغاية بالنسبة للأسواق الناشئة، إذ تعرض عدد كبير من العملات إلى ضغوط كبيرة، وانخفضت قيمة بعضها إلى مستويات غير مسبوقة في الانخفاض مقابل الدولار الأمريكي القوي.
وساهمت التوترات التجارية العالمية والتهديد بفرض العقوبات وارتفاع أسعار الفائدة الأمريكية وأسعار البترول قبل انخفاضها بشكل كبير في أكتوبر الماضي- في عمليات بيع العملات، بالإضافة إلى انخفاض مؤشر “إم.إس.سي.آي” للأسواق الناشئة من أعلى مستوياته في 52 أسبوعا في يناير 2018 إلى منطقة السوق الهابط بنهاية أكتوبر الماضي.
وقالت مجلة “فوربس” اﻷمريكية، إن وضع الاستثمار في الأسواق الناشئة تحسن إلى حد كبير منذ ذلك الحين ؛ ويراهن المستثمرون العالميون كثيرا على أن الدولار سيخفف من السياسات النقدية المتشددة، مما يخفف بعضا من الضغوط المفروضة على الاقتصادات الناشئة التي يتعين عليها دفع أسعار أعلى على الواردات القادمة من الولايات المتحدة عندما تكون قيمة الدولار قوية.
واعتبارا من 24 يناير الماضي، شهدت صناديق الأسهم في الأسواق الناشئة تدفقات إيجابية تزيد عن 3 مليارات دولار على مدى 15 أسبوعا متتاليا.
وقال عدد من كبار المستثمرين في الآونة الأخيرة، من بينهم مؤسس “موبيوس كابيتال بارتنرز” مارك موبيوس، ومؤسس شركة “دبل لاين كابيتال” جيفرى جاندلاش، إن الوقت ربما يكون قد حان للنظر إلى الأسواق الناشئة.
وأكد مارك موبيوس، في حوار أجراه مع وكالة أنباء بلومبرج في يناير الماضي، إنه يفضل الهند والبرازيل وتركيا لتمكنها من تحقيق انتعاش مذهل منذ انهيار قيمة عملاتها العام الماضي.
وحول مخصصات المحافظ المالية باﻷسواق الناشئة، اقترح موبيوس تخصيص ما نسبته 30% للهند، و30% لأمريكا اللاتينية، بما في ذلك البرازيل والأرجنتين وتشيلي والمكسيك، و30% في دول أوروبا الشرقية، ومنها بولندا وتركيا ورومانيا.. أما النسبة المتبقية فخصصها للصين وبعض اﻷجزاء اﻷخرى من آسيا.
ومع ذلك، كانت بعض الدول التي اختارها موبيوس من بين أكثر الدول التي واجهت تقلبات شديدة في عام 2018، إذ انخفض مؤشر بورصة اسطنبول الرئيسي “بي.آي.إس.تي 100” بنسبة تقترب من 41% خلال العام.
كما أن مؤشر “مرفال” الأرجنتيني كان أسوأ بكثير، إذ خسر ما يزيد قليلا عن نصف قيمته إثر معدلات التضخم الخارجة عن نطاق السيطرة وارتفاع أسعار الفائدة إلى ما نسبته 60%، وهو أعلى معدل في العالم.
وفي الوقت نفسه، كانت روسيا أفضل اقتصاد ناشئ عام 2018، لأن اقتصادها لم يتراجع سوى بنسبة 1.5% فقط، كما أنها لم تثبت أنها الأكثر مرونة في التكيف مع ارتفاع أسعار الفائدة اﻷمريكية ومخاوف الحرب التجارية فحسب.. بل إنها تمتلك أيضا معدلات أرباح جذابة ودعم قوي لتقييم اﻷسهم.
وتم تداول الأسهم الروسية بمضاعف أرباح منخفضة للغاية عند 5.8 مرة، وهو انخفاض نسبته 50% تقريبا مقابل مؤشر “إم.إس.سي.آي” الذي يضم 24 اقتصادا ناشئا، في حين أن دول أوروبا الشرقية، بما في ذلك تركيا وليتوانيا، تمتلك تقييمات أسهم جذابة للغاية، إذ يتم يبلغ مضاعف ربحيتها 6.5، و7.4 مرة، مما يعني ان فرص ارتفاعها عالية.
ووفقا للأساس السنوي، كانت روسيا تشكل رهانا جيدا لمن استثمر فيها لآجل 10 أعوام ،إذ حقق عائدا بنسبة 9.21% في المتوسط حتى نهاية ديسمبر الماضي.
ومن المتوقع نمو اقتصادات دول أوروبا الوسطى والشرقية بنسبة 3.4% في عام 2019، لتسجل بذلك وتيرة نمو أبطأ مما كانت عليه في عام 2018، ولكنها أقوى من أوروبا الغربية والولايات المتحدة.
وبالإضافة إلى ضعف قيمة الدولار اﻷمريكي، ينبغي على دول أوروبا الوسطى والشرقية الاستفادة من السياسات النقدية اﻷكثر ملاءمة خلال العام الحالي.
ووفقا لبنك “كريدي سويس”، من المتوقع تخفيض عدد من البنوك المركزية أسعار الفائدة في عام 2019، بما في ذلك بنك تركيا الذي ربما يخفض أسعار الفائدة لديه من 24% إلى 18%، كما أنه من المتوقع أيضا أن يخفض بنك روسيا أسعار الفائدة رغم أن الاحتمالات تشير إلى خفضها بمقدار 50 نقطة أساس فقط.
وكتب نائب رئيس أبحاث الأسهم لدى مؤسسة “بي.سي.أس جلوبال ماركت”، سلافا سموليانينوف، إن النصف الأول من العام الحالي يبدو واعدا بشأن الأرباح الجذابة وتقييمات اﻷسهم المنخفضة لعدة أعوام ورفع العقوبات عن شركة “روسال” الروسية العملاقة للألمنيوم والتوقف المؤقت في تشديد السياسة النقدية عالميا والحل المحتمل للتوترات التجارية.