بقلم/ جوليان لي
استراتيجي البترول في “بلومبرج”
إذا كان التوقيت هو كل شيء، فلماذا يبدو أن منظمة الدول المصدرة للبترول “أوبك” تواصل عدم تقديره بشكل صحيح؟
وسارت تخفيضات مجموعة “أوبك” جيدا في يناير، ولكن ستزداد التخفيضات بمجرد أن تظهر آثار العقوبات الأمريكية على فنزويلا.
وتتمثل مشكلة المنتجين وحلفائهم في المجموعة الأوسع “أوبك بلس”، في أنهم لا يسيطرون على السوق بنفس القدر الذي يتهمهم البعض به، وهو ما يجعل تحديد الوقت المناسب للتحرك مستحيلا تقريبا.
وتواصل العوامل الخارجية غير المتوقعة الظهور، ويبدو أن العديد من هذه العوامل – على الأقل مؤخرا – تصدر من أمريكا.
ويعد ارتفاع أسعار البترول ثم انهياره في النصف الثاني من العام الماضي أبرز مثال على ذلك.
وفي يونيو الماضي، غرد الرئيس دونالد ترامب بأنه طلب من الملك السعودي زيادة إنتاج الدولة لمواجهة “الاضطرابات وتوقف الإمدادات من إيران وفنزويلا”، واستجاب له الملك، ولكن الاسعار واصلت الارتفاع نتيجة تعهدات ترامب بتخفيض صادرات إيران إلى الصفر عندما تدخل العقوبات حيز التنفيذ في نوفمبر.
ووصل الإنتاج السعودي إلى مستوى قياسي عند 11.7 مليون برميل يوميا، بالتزامن مع بداية العقوبات الإيرانية، فتخيلوا دهشة السعوديين عندما أعلن وزير الخارجية الأمريكي، مايكل بومبيو، أن الولايات المتحدة منحت إعفاءات من العقوبات لثمانية من كبار مشتري البترول الإيراني، وهو ما سمح لهم بشراء أكثر من مليون برميل يوميا من خام الدولة ومكثفاتها.
ولكن هذا لم يكن الأمر الوحيد الذي حول معنويات السوق من الخوف من نقص في المعروض إلى القلق بشأن تخمة، وإنما أيضا التقارير بالتغير في تقييم الإنتاج الأمريكي عبر الصيف. وأظهر تقرير صدر في نهاية أكتوبر – وهو ما استعانت به وكالة الطاقة الدولية في أحدث توقعاتها- أن الإنتاج ارتفع بمقدار 670 ألف برميل يوميا في الفترة بين يونيو وأغسطس، وقبل هذه التقارير، كانت الصورة مختلفة تماما حيث كانت البيانات تشير لنقص كبير في المعروض في الصيف.
وربما لا يبدو هذا الرقم هائلا في الصورة الكبيرة، ولكنه كان كافيا لإضافة أكثر من 45 مليون برميل من المعروض غير المتوقع في الأشهر الخمسة حتى نوفمبر، أي أكثر من إنتاج أصغر عضو في “أوبك” وهي غينيا الاستوائية، لمدة عام كامل.
أضف هذا الرقم إلى المخزونات والزيادات في الإنتاج من السعودية وروسيا والإمارات، وليس مفاجئا أنه بحلول نوفمبر كان السوق بدأ يتمتع بفائض في المعروض.
وفي ديسمبر، اتفقت “أوبك” وأصدقائها – بدفعة قوية من روسيا – على خفض الإنتاج مجتمعين بمقدار 1.2 مليون برميل يوميا بداية من يناير، وكانت نقطة الانطلاق لمعظم الدول هي مستوى إنتاجهم في أكتوبر.
وبمجرد أن بدأوا تطبيق هذه الخفيضات، قام ترامب بفرض عقوبات على صادرات الخام من فنزويلا وعلى مشتريات الدولة اللاتينية لمواد التخفيف التي تحتاج خلطها مع خامها الثقيل لجعله يتدفق.. وكانت أمريكا هي المورد الوحيد العام الماضي لهذا المخفف، وإذا لم يتمكن الرئيس الفنزويلي، نيكولاس مادورو، من إيجاد بديل في مكان آخر – وهو لن يجد واحدا بسهولة – فسيكون التأثير على الناتج المحلي الإجمالي للدولة سريعا.
وحتى إذا وجد موردين مناسبين، فسيكونوا أبعد بكثير من ساحل الخليج الامريكي.
وبالنظر إلى أن الدولة لديها القليل من المخفف كمخزون، فإن نقصه لا مفر منه، ولا يجب أن نندهش إذا انخفض الإنتاج الفنزويلي بمقدار 500 ألف برميل يوميا خلال الشهرين القادمين تحت قيادة الحكومة الحالية، وحتى إذا تغيرت الحكومة فلن يكون تعافي الإنتاج سريعا.
وعندما يتحقق هذا التعافي، لا تندهش إذا جاء سريعا بعد قرار أوبك بلس برفع الإنتاج، وإذا كان توقيت هذه القرار خاطئا مجددا، فتوقعوا ان نشهد عاما آخر من الانخفاضات والارتفاعات الحادة في أسعار البترول.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: وكالة أنباء “بلومبرج”