3 اتجاهات عالمية لتحولات السوق تقودها الولايات المتحدة والصين
12 مليون برميل بترول حجم الإنتاج الأمريكى اليومى منتصف 2019
يمكن الوصول إلى مدينة “تافت” الواقعة شمال لوس أنجلوس بقيادة السيارة على طول طريق البترول السريع للبترول بعد أميال من اللوحات الإعلانية الدينية، “فبلد الله”، كما يصفها البعض، بلد بترولى، حيث تظهر آلاف الآلات الفولاذية فى التلال المحيطة بالمدينة لسحب الخام من الأرض وكأنها تشبه قطيع من الديناصورات أو هكذا يراها بعض سكان كاليفورنيا بنفس الطريقة.
لا يتم إنتاج الخام المنتج فى تافت عن طريق تقنية التكسير الهيدروليكى، لأن معظمه يقع فى تكساس ونورث داكوتا وهو يتميز بأنه ثقيل جداً ويحتاج إلى سحبه من الأرض بعملية معروفة محلياً باسم “شهيق وزفير”.
ومع ذلك، فإن مقاطعة كيرن التى توجد تافت على أطرافها الغربية تنتج 144 مليون برميل سنوياً وهو ثانى أعلى إنتاج لأى مقاطعة فى أمريكا، ويقول فريد هولمز وهو رجل بترول من الجيل الثالث وراعى متحف بترول ويست كيرن، إنه فخور بالتراث. ويرى أن ظهور سائقين محليين لسيارات تسلا الكهربائية لا يشعره بالتهديد فالخام متوفر ويتجدد ويستغرق الأمر وقتاً أطول لتحقق سيطرة الطاقة المتجددة.
وفى ذروة الإنتاج كان البترول فى سر السعادة في جنوب كاليفورنيا، حيث تفجر ينبوعه فى ليكفيو جوشير قرب تافت في عام 1910 كرمز لعصر الازدهار مع اندفاع اكتشافات الذهب الأسود إلى الشمال، ولعبت “تافت” أيضاً دور البطولة فى وقت مبكر فى الجغرافيا السياسية للطاقة.
فى عام 1910 قامت البحرية الأمريكية التى كانت تشعر بالقلق بشأن اعتمادها على إمدادات الفحم غير الآمنة بتدشين أول مدمرة خاصة بمناطق البترول وبعد عامين أنشأ الرئيس ويليام تافت أول احتياطى بترولى بحرى فى منطقة إلك هيل بمدينة تافت لضمان تدفق الإمدادات فى حالة حدوث أزمة دولية، وبعد الحرب العالمية الثانية عندما ارتفع الإنتاج أعطى الرئيس البلدة جزء من اسمه التى كانت تسمى سابقا مورون.
ومنذ ذلك الحين، كانت الجغرافيا السياسية للطاقة – التى تعرف عادة بأنها تأثير تدفقات الطاقة على قوة الأمم- تتعلق في الغالب بالعطش العالمى للترول، وتنطلق الجهود المبذولة لتأمينها وحماية شحناتها ووقف الأعداء عن الحصول عليها أو الاحتفاظ بها واحتكارها إن أمكن ضمن استراتيجية النفوذ العالمي وقد كان لها تأثير كبير فى تاريخ القرن العشرين.
وبما أن البترول والغاز قابلان للنفاد وغير متاحين فى كل مكان فغالباً ما يتم تقنينهما لصالح مجموعة قليلة من المنتجين ولطالما شعرت الدول المستهلكة بأن شح البترول يجعلها أكثر عرضة للخطر.
ولهذا السبب منذ الحظر البترولى العربى لعام 1973 بسبب الدعم الغربى والأمريكى للاحتلال الاسرائيلى لدولة فلسطين شهد كل رئيس أمريكى اعتماد البلاد على البترول المستورد كنقطة ضعف.
وكانت سياسات مثل “مبدأ كارتر” التى أعلنها الرئيس آنذاك فى عام 1980 والتى أكدت حق الولايات المتحدة فى استخدام القوة العسكرية لحماية مصالحها الاستراتيجية فى الشرق الأوسط تهدف إلى ضمان إمدادات مستقرة من الخام.
هذا المفهوم للندرة يقترب من نهايته، بفضل 3 تطورات كبيرة أولها ثورة البترول الصخرى الأمريكى التى حولت البلاد إلى أكبر منتج لخام البترول والغاز معاً في العالم. وبعد عقود من تراجع الإنتاج منذ السبعينيات أنتجت أمريكا ما يقرب من 11 مليون برميل يومياً العام الماضى ومن المتوقع أن يتخطى حاجز 12 مليون برميل منتصف العام الجارى.
هذه الأنباء تعنى أن أمريكا أقل اعتماداً على البترول المستورد، مما يساعدها على التخلص من جنون العظمة طويل الأمد الناجم عن بسط أذرع نفوذها الخارجى لشأن هذا الاعتماد، وقد يقلل ذلك من حاجة البلد إلى إنفاق الدم والثروة لحماية طرق الإمداد من الشرق الأوسط، وقد أضافت وفرة البترول والغاز إلى الأسواق العالمية استقراراً انعكس بالفائدة على المستهلكين فى مجال الطاقة فى كل مكان.
يحدث التغير الرئيسى الثانى فى الصين حيث تحاول الانتقال من اقتصاد كثيف الطاقة إلى اقتصاد ذى طابع خدمى أكثر فبدون خنق النمو الاقتصادى حققت فى السنوات القليلة الماضية تقدماً مذهلاً فى تعديل طلبها على البترول والفحم، مما أدى إلى إبطاء الارتفاع في استهلاك الكهرباء والاعتماد أكثر على الغاز والطاقة المتجددة، والحد من نمو انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.
وتعد الصين أكبر مستورد للوقود الأحفورى فى العالم، ولكن تجربتها مع الهواء القذر وشواغلها بشأن الإفراط في الاعتماد على الخام المستورد جعلها أكثر حرصا على جنى المزيد من الطاقة عبر تكنولوجيا الرياح والطاقة الشمسية، كما أن لديها أكثر خطط العالم طموحا للسيارات الكهربائية وقد لعبت سياسة الدعم واحتكار الدولة لمجال الطاقة دوراً كبيراً فى خططها، لكن بطريقتها الخاصة مما جعلها تتميز باستراتيجية تحول بارزة مثلما حدث فى أمريكا.
ويقود هذان التطوران إلى الاتجاه الثالث على المدى الطويل وهو الحاجة إلى إنشاء نظام للطاقة منخفض الكربون لمحاربة تغير المناخ، ومع ذلك، فإن اتفاقية باريس لعام 2015 رغم أنها علامة فارقة لاتزال تترك مسافة كبيرة للسفر قبل أن يتسنى وقف ظاهرة الاحتباس الحرارى ولتحقيق ذلك، ستستثمر تريليونات الدولارات فى طاقة الرياح والطاقة الشمسية والبطاريات وشبكات الكهرباء ومجموعة من مصادر الطاقة النظيفة التجريبية.