ميزانية الرعاية الاجتماعية تضاعف تكلفة استخراج برميل الخام
60 دولاراً سعر البرميل المناسب لتغطية السعودية لنفقات نظام الرفاهية للمواطنين
يعد تسليط الضوء على رحلة إلى حقل الشيبة الشاسع فى “الربع الخالى” بالمملكة العربية السعودية هو نزهة عند الغسق إلى قمة مجموعة من الكثبان الرملية الحريرية، هناك يمكن مشاهدة غروب الشمس فوق فخر الصناعة البترولية السعودية كمئذنة فوق المسجد ترفع أذان المغرب.
ومثل العديد من شركات البترول فإن السعودية أكبر مصدر للبترول في العالم تدرك أن الطلب على الخام قد يقع يوماً ما ضحية الألواح الشمسية والمركبات الكهربائية والاستهلاك الأكثر كفاءة للوقود وغير ذلك.
ولكن ما مدى خطورة التهديد الذي يواجه المنتجين الكبار؟ الجواب يأتى فى جزئين، الأول يتعلق بقدرتهم على مواجهة زيادة ضخ البترول الصخرى الأمريكى والثانى يتعلق برد فعلهم على احتمال وصول استهلاك البترول لذروته وبداية تراجعه أو بداية نهاية إدمان العالم للذهب للخام الاسود خلال العقود القليلة القادمة.
وكشفت المملكة العربية السعودية عن خطة لبيع 5% من أكبر شركة بترول فى العالم وهى أرامكو، لجمع مليارات الدولارات لصندوق الاستثمار العام فى البلاد لتمويل استراتيجية تقليل الاعتماد على عائدات البترول كجزء من رؤية 2030، والتى صممها ولى العهد محمد بن سلمان لكن عمليات التنفيذ تعطلت بسبب عوامل كثيرة.
من الصعب الإجابة على ما إذا كانت روسيا والسعودية ومنتجو الشرق الأوسط عموماً مستعدين بجدية للتهديد على المدى الطويل مع انخفاض الطلب على البترول وتحول العالم إلى السيارات الكهربائية، ويعتقد بائعو البترول أن نمو الطلب علي البترول لصناعات مثل البتروكيماويات سوق يعوض فقدان الحصص المخصصة للسيارات التي باتت تعمل بالكهرباء.
وتعمل الدول المنتجة خصوصاً روسيا والسعودية على ضخ مزيد من البترول بأكبر قدر ممكن حتى تتمكن من حسم سباق جمع الأموال مما فجر معركة للحصول على حصة في السوق بين المنتجين وأدى إلى انخفاض الأسعار التي قد تنخفض أكثر، ويشعر أولئك الذين يملكون أقل التكاليف مثل الرياض التي يمكن أن تنتج البترول بأقل من 6 دولارات للبرميل بأن هذه معركة لا بد لهم من الفوز بها.
ومع ذلك، فإن ورقة بحثية نشرها في يناير 2018 سبنسر ديل من شركة بريتيش بتروليوم وبسام فتوح من معهد أكسفورد لدراسات الطاقة تثير شكوكا حول هذه الفكرة.
وتشير الدراسة إلى أن منتجى البترول في الشرق الأوسط يجب ألا يركزوا على تكلفة الاستخراج بل على التكلفة الاجتماعية للبترول فإنفاقهم على الالتزامات الاجتماعية مثل الرعاية الصحية والتعليم وتوظيف القطاع العام.
ويحسب المؤلفون سعر البترول اللازم لتوفير الميزانيات بدون عجز يصعب السيطرة عليه قرب 60 دولاراً للبرميل، ويعقتد كل من دايل وفتوح أنه حتى تتمكن هذه الدول من تحويل اقتصاداتها بعيداً عن البترول، فإنها ستحتاج إلى تغطية هذه التكاليف الاجتماعية، لذا بدلاً من قتال بعضها البعض على حصة السوق ستسعى إلى الحفاظ على تحالفات طويلة الأجل مثل نظام عمل منظمة الأوبك حالياً.
ولا يمكن اغفال دور المنتجين الآخرين في الشرق الأوسط، مثل الإمارات العربية المتحدة فعليهم حماية رهاناتهم أيضا ويتحدثون عن الطاقة النظيفة ولكنهم يؤكدون أيضاً التزامهم باستخدام الوقود الأحفورى لنصف احتياجاتهم من الطاقة حتى عام 2050 على الأقل.
ويمكن لخليط من الشمس والرياح توليد مزيد من الكهرباء للدول المنتجة للبترول فى الشرق الأوسط الحاليين الذين يرون الطاقة المتجددة مهمة كطريقة لاستخدام كميات أقل من الخام الاسود والغاز محلياً.
أما بالنسبة لروسيا فقد أعطت اهتماما قليلاً لمصادر الطاقة المتجددة فبعيداً عن البترول والغاز، فإن معظم اهتمامها ينصب علي الطاقة النووية وما زالت تراهن بشدة على البترول ومع ذوبان الجليد بفضل الاحتباس الحراري بدأ العام قبل الماضى الحفر فى بحر لابتيف فى الدائرة القطبية الشمالية للتنقيب عن الوقود الأحفورى.
وساعد التمويل الصيني الروسي علي الانفاق علي مشاريع الحفر رغم العقوبات الغربية وقد يحدث نفس الشىء مع الغاز الإيرانى وتستثمر أيضاً أرامكو السعودية في مصفاة فى مقاطعة فوجيان بالصين وقد عرضت موسكو بيع عقود حقول الغاز فى المنطقة القطبية إلى الرياض.
ولن تسير نهاية البترول علي طريق مستقيم فإذا تراجعت أسعار البترول فقد تبدو السيارات الكهربائية أقل جاذبية وقد تؤدى المخاوف من الاستثمار المفرط فى البترول إلى ارتفاع غير متوقع في الأسعار لكن إذا لم يتبن المنتجون الإصلاح الاقتصادى فقد يجدون أنفسهم فى ورطة عميقة بسرعة كبيرة.
إنهم بحاجة فقط إلى النظر إلى فنزويلا لمعرفة مدى سرعة هبوط عائدات البترول التي يمكن أن تجبر دولة استبدادية على عدم الوفاء بالالتزامات الاجتماعية للمواطنين، مما يؤدى إلى الاضطرابات الاقتصادية، وعدم الاستقرار الاجتماعي والتوتر الإقليمى.