رغم أن جمهورية إيران الإسلامية على مقربة من دخول عقدها الخامس، إلا أن صناعة الطاقة الخاصة بها لا تتمتع بكثير من الإنجازات التي يمكن الاحتفال بها.
أوضحت وكالة أنباء بلومبرج أن إنتاج البلاد من البترول الخام لم ينتعش حتى الآن إلى المستويات التي كان عليها قبل الثورة الإسلامية، ولا يرجح انتعاشه لسنوات عديدة، حتى بدون العقوبات اﻷمريكية.
ويتباطأ إنتاج البترول في ظل ابتعاد المستثمرين الأجانب عن رابع أكبر مالك للبترول في العالم، ومن المتوقع أن تفرض تعهدات المسؤولين الأمريكيين بتشديد القيود المفروضة على مبيعات البترول الإيراني وإنهاء فترة الإعفاءات في بداية مايو المقبل المزيد من القيود على الصادرات الإيرانية.
وتراجع إنتاج إيران بعد أن أعادت الولايات المتحدة فرض العقوبات في العام الماضي، متهمة إياها بدعم الإرهاب، ولكن الإعفاءات التي حازت عليها بعض الدول المستورة للبترول الإيراني، بما في ذلك اليابان والصين وتركيا والهند وكوريا الجنوبية، امتصت الصدمة بشكل جزئي.
وفي حين أن بعض المسؤولين الإيرانيين يتوقعون تمديد واشنطن لتلك الإعفاءات بمجرد انتهاء مدتها المحددة، ربما للمساعدة في تعويض نوعية بترول فنزويلا، تصر إدارة الرئيس اﻷمريكي دونالد ترامب على أنها لا تخطط للقيام بذلك.
وحتى لو رُفعت العقوبات الأمريكية، سيكون من الصعب على إيران ضخ نحو 6 ملايين برميل يوميا مثلما فعلت قبل ثورة 1979، وقد أظهرت البيانات التي جمعتها “بلومبرج” أن إيران أنتجت أقل من نصف هذه الكمية نحو 2.74 مليون برميل يوميا في يناير الماضي.
وقال ريتشارد مالينسون، محلل في قطاع الطاقة لدى شركة “نريجي اسبكتس” المحدودة في لندن، إنه في الوقت الذي يمكن فيه تعزيز الإنتاج بسرعة إلى 4 ملايين برميل يوميا، إلا أن العودة إلى إنتاج 6 ملايين برميل يوميا تعد مسعى أكبر بكثير ويحتاج إلى ثقة الشركات العالمية.
وقال عزت الله مصيلحي، نائب مدير الشؤون الدولية بالشركة الوطنية الإيرانية للبترول، إن واردات تركيا من البترول الخام الايراني ظلت كما هي عند 150 ألف برميل يوميا تقريبا، واستمرت اليابان وكوريا الجنوبية في الحصول على شحنات بشكل منتظم.
ووفقا للبيانات التي جمعتها “بلومبرج” إثر تتبع ناقلات البترول، تمكنت إيران من تصدير 1.28 مليون برميل يوميا من البترول الخام والمكثفات البترولية في يناير الماضي.
بالإضافة إلى ذلك، قال آموس هوشتاين، المسؤول السابق في وزارة الخارجية الأمريكية، والذي كان يدير العقوبات على إيران خلال عهد الرئيس اﻷمريكي السابق باراك أوروبا، إن إيران ستواصل بيع بعضا من بترولها حتى لو رفضت الولايات المتحدة تمديد فترة الإعفاءات.
وأوضح هوشتاين أن إيران ستكون قادرة على إنتاج ما يتراوح بين 800 ألف ومليون برميل يوميا في المتوسط، وربما ينخفض الإنتاج في بعض الشهور بشكل أقل من غيرها، مضيفا أن إيران بإمكانها التخلي عن بعضا من صادراتها البترولية بعد العقوبات، كما أن بعض الدول ستشتري الخام في ظل الإعفاءات أو بدونها ﻷنها لا تهتم بتلك الإعفاءات.
وأوضحت “بلومبرج” أن الشركات القلقة بشأن إمكانية تقويض وصولها إلى الدولار الأمريكي ربما تكون قادرة على التجارة مع إيران من خلال نظام تجاري جديد يعرف باسم “أنستكس”، وهو نظام مقايضة افتتحته المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا في نهاية يناير الماضي.
وفي الوقت نفسه، أعلنت الشركة الوطنية الإيرانية للبترول عن اكتشافها 65 حقلا للبترول والغاز منذ الثورة، وربما يساهم هذا في تعافي الإنتاج.
وذكرت “بلومبرج” أن النجاة في ظل الضغوط أصبحت سمة مميزة للجمهورية الإسلامية، لدرجة أن زعماء البلاد يتباهون بقوة الاقتصاد المقاوم.
كانت إيران تنتج البترول بنفس قدر إنتاج السعودية قبل بضع سنوات فقط من سيطرة رجال الدين على الحكومة والاقتصاد الإيراني، ولكن الثورة والحرب مع العراق والعقوبات الأمريكية المتعددة الجولات أعاقت نمو إنتاج البترول.
وفي الوقت الذي كان فيه استغلال احتياطيات البترول الإيراني مخيبا للآمال، كان إنتاج الغاز يشكل نقطة مضيئة بالنسبة للبلاد، فقد سعى ثاني اكبر احتياطي للغاز الطبيعي في العالم إلى استغلال احتياطيات الغاز لديها في محاولة منها لمواكبة وتيرة ارتفاع الطلب المحلي، ليزيد إنتاج الغاز لديها بأكثر من الضعف منذ عام 2006.
وأشارت الوكالة اﻷمريكية إلى أنه مع اقتراب السوق المحلي من التشبع، ستحتاج إيران إلى سلك المزيد من طرق التصدير لتوسيع نمو إنتاجها، فهي تقوم بتصدير كميات محدودة من الغاز إلى دول الجوار عبر خط أنابيب، وقد أضيفت العراق مؤخرا إلى قائمة المشترين لديها، ولكن خط أنابيب الغاز المخطط إمدادها إلى باكستان وأفغانستان وعمان والإمارات تواجه جميعها عقبات.
وفي الوقت نفسه، ترغب إيران في تصدير الغاز الطبيعي المسال، كما أنها حاولت كسب اهتمام الشركات العالمية لإنهاء أعمال تشييد مصنع الغاز المسال الخاص بها، بعد انتهاء العقوبات السابقة في عام 2016.
ولا تزال الشركة الوطنية الإيرانية للبترول تجري محادثات مع المستثمرين المحتملين، ولكن العقوبات اﻷمريكية الجديدة تسبب بعض الصعوبات، وذلك بحسب ما قاله أحد المسؤولين في الشركة الذي طلب عدم الإفصاح عن هويته لأنه غير مصرح له بالتحدث إلى وسائل الإعلام.
وقال المسؤول السابق في وزارة الخارجية هوشتاين إن الشركات التي تتمتع بالتكنولوجيات اللازمة لتسييل الغاز الطبيعي المسال ترددت في العمل مع إيران حتى بدون العقوبات، وقد تكون فرصة القيام بذلك معدومة خلال فترة العقوبات.