ما أصعب أن تبدأ يومك بفاجعة مثل فاجعة الأمس.. فى حادث قطار محطة مصر والذى راح ضحيته العشرات من البسطاء من أبناء هذا الوطن الذين اعتادوا أن يكونوا إما ضحايا للإرهاب أو للإهمال أو للفساد.. وكالعادة المسئول عن الكارثة هو السائق أو مساعده.. وهل حتى إقالة وزير النقل تكفى؟… التعامل بهذا المنطق فى تحمل مسئولية ما جرى لم يعد مقبولاً وإلا فعلينا أن نحاسب كل من أهمل فى تطوير مرفق السكة الحديد منذ سنوات طويلة ولم يحدثها أو يطورها أو يُزِد من منظومة الأمان فيها، فما تردد عن أن السائق حينما وصل بالجرار للمحطة تركه ونزل، والجرار ظل يسير دون سائق حتى ارتطم بالرصيف رقم 6 وحدثت الكارثة.. إذن ليس هناك منظومة أمان فى دخول وخروج القطارات بدليل ما فعله السائق.. ترى لو أن هذا السائق يعلم أن هناك منظومة إلكترونية تتابع دخوله وخروجه أسوة بما يحدث فى حركة الطيران بالمطارات.. الغريب أيضاً أن محطة مصر تم تطويرها وتجديدها مؤخراً حيث تم عمل مول تجارى وكافيهات وتجديد دورات المياه ودهان الجدران.. أما أن تسمع أنه تم ربطها بشبكة إلكترونية لكل خدماتها أو تسمع عن إنشاء منظومة إطفاء للحرائق آلية داخل المحطة.. فلا شىء من هذا.. وكأن هذا المرفق الذى نفتخر بأننا من أوائل دول العالم التى لديها سكة حديد وأننا أقدم من دول أوروبية ومن أمريكا ذاتها فى السكة الحديد.. ولكن الآن هم يسجلوننا فى موسوعة جينيس العالمية بأن مصر التى لديها أقدم سكة حديد هى أكثر فى الأرقام القياسية لحوادث القطارات.. وهى الأعلى فى إقالة وزراء النقل بسبب كوارث السكة الحضيض.. يا سادة هذا المرفق فى حاجة لجراحة عاجلة لاستئصال أورام الإهمال والتسيب والفساد من جسد هذا المرفق المهم، نعم الأمر يحتاج لتمويل والحكومة ليس لديها.. إذن الأمر فى الاستعانة بخبراء فى التمويل والهندسة المالية لإعادة هيكلة هذا المرفق وتوفير تمويل له.. هذا المرفق يحتاج لخبراء فى اقتصاديات النقل وليس لخبراء فى التشغيل والصيانة فقط.
هذا المرفق يحتاج لمن يفكر فى تدبير إيرادات لإصلاحه وتشغيله وصيانته.. هذا المرفق لديه من الموارد الغنية فيما يملكه من أكبر محفظة أراض فى حرم خطوط السكة الحديد على مستوى الجمهورية كثير منها غير مستغل وبعضها يسيطر عليه البلطجية وبعضها مؤجر بإيجار بخس.. ناهيك عن الإيرادات التى يمكن تحصيلها من نقل البضائع وغيرها.. الأمر بات يتطلب إشراك القطاع الخاص فى إدارة وتشغيل هذا المرفق بما يضمن رفع كفاءة الخدمة وزيادة نسبة الأمان فى استخدامه.. ولقد أشركت الدولة القطاع الخاص فى قطاع الطيران فيما سمحت بشركات طيران خاصة ولكنها تعمل وفقاً لمنظومة واحدة متكاملة وهى سلطة الطيران المدنى.. نفس الأمر يجب تطبيقه على مرفق السكة الحديد وإلا فما جدوى ما ننفقه على المشروعات القومية وغيرها إذا لم يتوفر بها الأمان لمستخدميها وشاغليها.. ولا أدرى كيف تتحدث الدولة عن التوسع فى استخدام النقل الذكى ومرفق مثل السكة الحديد لم يسمع مسئولوه عن إمكانية استخدام التكنولوجيا الحديثة فى إدارته وتشغيله.. وبالمناسبة الدولة تتعاقد على تشغيل القطار المكهرب وفائق السرعة والمونرويل وكلها تتطلب ضماناً كاملاً لمنظومة الأمان فى تشغيل هذه القطارات، وإلا فما يحدث فى قطارات السكة الحضيض سيحدث فى هذه القطارات طالما أن إدارتها ستكون من بين مسئولى وقيادات المرفق الحاليين.. أعتقد أن الشركات العالمية التى ستقوم بتوريد هذه القطارات الحديثة ستراجع نفسها بعد حادث الرصيف نمرة 6 فى التعاقد مع الحكومة المصرية وأنها ستشترط أن تتولى هذه الشركات إدارة وتشغيل القطارات الجديدة حتى لا تخسر سمعتها الدولية إذا ما تركتها للمصريين يديرونها ويقوم السائق المصرى بنزع «فيشة» القطار المكهرب ويضع بدلاً منها «فيشة» غلاية الشاى ليعدل مزاجه وهو سائق، وهذا حال السائقين فى مصر أهم حاجة المزاج وسلم لى على المزاج.. وكالعادة رحم الله شهداء السكة الحضيض.