اقتصادنا يا تعبنا «100»
لاشك أن قطاع الصحة من أهم القطاعات الحيوية ضمن محاور التنمية المستدامة، ويحتل نسبة كبيرة من إنفاق الأسر إلى جانب التعليم والغذاء والشرب والمسكن بالنسبة للطبقة المتوسطة، ويمثل تهديداً كبيراً على ذوى الدخول المحدودة والفقراء.. فى ظل عدم قدرتهم على تحمل نفقات العلاج مع تنوع الأمراض وانتشار الفقر ومحدودية الدخل، وفى ظل مستوى الخدمات الصحية المتدنية من خلال منظومة التأمين الصحى الحالية، حتى وإن كانت الدولة أعلنت مؤخراً تبنيها لمنظومة تأمين جديدة، لكنها لن تؤتى ثمارها حالياً.
لذا دعمتها الدولة بمبادرات رئاسية ترجمت لحملات على أرض الواقع سواء من خلال إلغاء قوائم الانتظار وكذلك حملة 100 مليون صحة لأمراض فيروس سى والسكر والكوليسترول.. والدعوة لممارسة الرياضة لتقليل الأوزان.. لا نقلل من جهود الدولة فى إصلاح هذا القطاع الحيوى.
فعلى مستوى الإنفاق الحكومى على الصحة فقد أظهرت بيانات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، أن نسبة الإنفاق على الصحة بلغت %4.5 فى الموازنة العامة للدولة فى 2017-2018، ولكن هل هذا كاف لتطوير منظومة صحية لبلد يمثل الفقراء فيها نحو %30.. لبلد تتسم بانخفاض مستويات الدخول، مقارنة بالارتفاع الرهيب فى الاسعار منذ التعويم.. أسئلة كثير تطرح نفسها ولن تجد لها إجابة إلا من خلال شراكة حقيقية بين الدولة ومؤسسات المجتمع المدنى والقطاع الخاص.. فهى معادلة تحتاج إلى حل.. وهذا لن يتأتى إلى بتطوير القطاع الصحى عموماً.. ورفع مستوى الاستثمار فيه بما يعود على المواطن الفقير والمتوسط بالإيجاب.. فتوفير التأمين الصحى للجميع وضد جميع الأمراض أمر مهم للغاية.. فصحة المواطن وتعليمه على قمة الأولويات فى طريق التنمية المستدامة.
وهنا نظر إلى مرض لا يعرف الكثير عنه أو يشعر الناس به.. فمن لديهم مريض فى العائلة لديه هذا المرض وكغيره من الأمراض غير الشائعة يشعر بالحرج من الحديث عنه.. وهو مرض التوحد لدى الأطفال، وما يسببه من توتر واكتئاب عائلى لدى أولياء الأمور، مما يضطرهم إلى تحمل عبء نفسى كبير تجاه التحفيف عن ابنائهم ممن لديهم هذا المرض، فيكف أن الروشتات التى قد توصف فى المرة الواحدة لإجراء تحاليل أو أدوية قد تكلف تلك الأسرة نحو 10 آلاف جنيه فى المرة الواحدة أحياناً، بل أن هناك أنواع تحاليل يصل ثمنها إلى 800 دولار فى المرة الواحدة ولا يتم هذا التحليل إلا فى الخارج بإرسال عينات مع إضافة (+100 دولار شحن).. وهذه التحاليل يجب توفيرها فى مصر.. فهناك أسر باعت بيوتها من أجل علاج أبنائها، فمن يقدر على دفع هذا المبلغ من الأسر طيلة فترة العلاج ليس بالكثير، هناك أسر قادرة وأسر لا تقدر.
فلماذا لا يتم توفير هذا العلاج فى مصر لغير القادرين أو السماح للقادرين بشرائه إلكترونياً وشحنه مثلما يتم فى شراء أى سلعة أون لاين وشحنها للمستفيد، مع تخفيض الجمارك عليها، رأفة بحال الأسر لحين توفير العلاج داخلياً، وهنا تكون روشتة من الدكتور مختومة ومعتمدة هى الأساس لمن يقدر لحين قيام الدولة بتوفيره للجميع بسعر معقول، مثلما حدث مع مرضى فيروس سى، وهذا يترتب عليه عمل احصائية عن حالات هذا المرض وغيره من الأمراض المنتشرة دون أن يسلط عليها الضوء، لماذا لا يكون هناك مستشفيات متخصصة لمثل هذه الحالات أو أقسام متخصصة داخل المستشفيات.
منظومة الصحة يجب أن يكون لها استراتيجية منبثقة من الواقع سواء للمستشفيات أو الأدوية أو الأطباء أو التمريض، فهى منظومة متكاملة.
المواطن يرغب فى منظومة صحية وتعليمية متميزة إلى جانب ما تقوم به الدولة من جهود على مستوى البنية الأساسية والمرافق، وستظل هناك أمراض غير شعبوية وأمراض من نوع خاص.. تحتاج إلى اهتمام أيضاً، فمريض التوحد يحتاج معاملة خاصة ورعاية خاصة أيضاً، وهناك حالات كثيرة شفيت نتيجة تخصص بعض الأطباء فى هذا المرض وإيلائه نوعاً خاصة من الرعاية والعلاج سواء نفسياً أو طبياً أو غذائياً.. حتى نوع الغذاء له أهمية مع مريض التوحد.. كيفية المعاملة النفسية له.. كلها مع بعض إذا ما أديرت جيداً وبضمير ستخلق أملاً جديداً أمام مثل هؤلاء.
لا فصل بين التنمية الاقتصادية المستدامة والقطاعات التى تمس المواطن، فأساس هذه التنمية المستدامة المواطن.. وهو أساس العقد الاجتماعى بين الدولة والشعب فى تفويض السلطات.. المواطن السوى المتعلم جيداً يعد من أصول الدولة الحيوية وأساس نهضتها.. فالبشر هم أساس الاختراعات وهم أساس التطور والإصلاح والتنمية..
وما نبغى إلا إصلاحا وتوعية..
إبراهيم مصطفى
خبير اقتصاد واستثمار وتطوير أعمال