يبدو أن تبنى البنوك المركزية حول العالم للهجة أقل تشدداً، وسط ضعف احتمالات النمو الاقتصادى، تدفع المستثمرين نحو السندات الحكومية التى تعد ملاذاً آمناً بالنسبة لهم.
وانخفضت عائدات العديد من السندات القياسية بشكل حاد خلال الأسبوع الماضى، مع تراجع سندات الخزانة الأمريكية لأجل 10 أعوام إلى أدنى مستوى لها منذ يناير 2018، فى حين انخفض عائد السندات اليابانية لأدنى مستوى منذ نوفمبر 2016.
تراجعت عائدات السندات الألمانية ﻷجل 10 أعوام إلى المنطقة السلبية للمرة اﻷولى منذ 3 أعوام.
وقالت صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية، إن بنك الاحتياطى الفيدرالى هو الذى ساعد على انخفاض العائدات، عندما أعرب عن توقعاته بعدم رفع أسعار الفائدة اﻷمريكية هذا العام فى ظل خسارة الولايات المتحدة لزخمها الاقتصادى، ولكن السوق يتوقع خفض أسعار الفائدة مرة واحدة خلال العام بشكل متزايد.
أما فى منطقة اليورو، تسبب الانكماش الكبير فى نشاط التصنيع الألمانى وتراجع قطاعى الصناعة والخدمات الفرنسيين فى إثارة مخاوف المستثمرين، ما قاد الارتفاع فى عائدات السندات الألمانية، التى تعد واحدة من أكثر الاستثمارات أماناً بمنطقة اليورو.
ومع ذلك، يدل تحرك عائدات السندات إلى دون الصفر على أن سلامة الاستثمارات ذات ثمن؛ حيث يضمن هذا الاتجاه للمستثمرين مواجهة خسارة اسمية إذا احتفظوا بالسندات حتى تاريخ الاستحقاق، ولكن البنك المركزى اﻷوروبى كرر توقعاته الحذرة بشأن منطقة اليورو فى بداية مارس الجارى، لينضم بذلك إلى البنوك المركزية الكبرى الأخرى حول العالم.
كيف ستتأثر سندات الشركات من تحول سياسة الاحتياطى الفيدرالى؟
يجب أن توفر توقعات الاحتياطى الفيدرالى بعدم رفع أسعار الفائدة فى عام 2019، مهلة مرحب بها للمستثمرين فى أسواق سندات الشركات، من الناحية النظرية على الأقل، ما يوفر دعماً لتكلفة الاقتراض، ولكن يجب على المستثمرين التراجع والتفكير الجيد فى سبب اتخاذ الاحتياطى الفيدرالى قراراً بإيقاف دورة تشديد السياسة النقدية.
وانخفضت أسعار الفائدة بعد اجتماع الاحتياطى الفيدرالى، وبدأ المستثمرون فى تقييم احتمالية عدم تغيير الاحتياطى الفيدرالى أسعار الفائدة واحتمالية تخفيضها قبل نهاية العام أيضاً، ما أثار مخاوف من أن تكون توقعات صناع السياسة للاقتصاد الأمريكى أسوأ مما كان يعتقد المستثمرون.
وتمكنت أسواق سندات الشركات من التغلب على آثار ارتفاع أسعار الفائدة الأساسية خلال السنوات القليلة الماضية، ويرجع ذلك بشكل كبير إلى تزامنها مع اقتصاد أمريكى قوى، ما يتيح استغلال أعباء الديون، ولكن بنفس القدر يمكن أن يكون انتعاش أسواق السندات الناتج عن تحول سياسة الاحتياطى الفيدرالى – مع ضخ الأموال إلى صناديق سندات الشركات هذا العام – قصيرة الأجل، إذا جاءت فى نهاية دورة الائتمان وفى ظل الانكماش الاقتصادى.
وقال أندرو برينر، رئيس وحدة الدخل الثابت الدولى لدى «ناشيونال ألاينس سكيوريتيز» فى نيويورك: «ما الذى يعرفه الاحتياطى الفيدرالى ولا نعرفه نحن؟»، مشيراً إلى التحول الكبير من الحديث عن تشديد السياسة المالية فى ديسمبر الماضى إلى التخفيف المحتمل الآن.
وأضاف: «ماذا حدث، وإذا كان الأمر فى النهاية سيئاً بالنسبة للاقتصاد الأمريكى، فما الذى سيفعله لقدرة الشركات على سداد السندات؟.. هذا هو السؤال الكبير».
وقال برينر: «حتى الآن، لا يبدو التخلف عن السداد أمراً مرجحاً»، موضحاً أن البيانات الاقتصادية الأمريكية قوية ولا تشير إلى أن الركود الاقتصادى قريب، ولكن يبقى السؤال: إلى متى سيستمر هذا الوضع؟
لماذا ينخفض عدد وسطاء السندات؟
مع اقتراب الربع السنوى الثانى، تستعد الحكومات الأوروبية لموجة جديدة من إصدار الديون، حيث يتوقع بنك الاستثمار الإيطالى «يونى كريدت» بيع 165 مليار يورو فى شهرى أبريل ومايو، بقيادة فرنسا وإيطاليا وألمانيا، ولكن وكالات الديون فى جميع أنحاء الاتحاد الأوروبى تعانى مشكلة كبيرة؛ حيث ينخفض عدد الوسطاء الأساسيين – ويقصد بهم البنوك التى تتعامل مباشرة مع الحكومات لطرح سنداتها فى السوق الأوسع نطاقاً – بمعدل سريع للغاية.
ووفقاً لرابطة الأسواق المالية فى أوروبا، انخفض عدد الوسطاء الرئيسيين فى 15 دولة من دول الاتحاد الأوروبى خلال الثلاثة أعوام الماضية، فقد أصبح لدى فرنسا الآن 15 وسيطاً فقط، وهو أدنى مستوى لها منذ عام 2006، فى حين تمتلك البرتغال 18 وسيطاً الآن.
وفى الوقت الذى يقول فيه البعض، إن انخفاض إصدار الديون الحكومية هو جوهر المشكلة؛ حيث يحرم البنوك من فرص جنى الأموال، ربما يكون السبب الآخر هو ميل المستثمرين المتزايد إلى التمسك بسنداتهم.
وقالت رابطة الأسواق المالية فى أوروبا إن هناك علاقة بين تراجع حجم التداول وأداء أعمال الدخل الثابت والعملات والسلع الأولية التابعة للبنوك الأوروبية، فقد تراجعت إيرادات الدخل الثابت والعملات والسلع الأولية فى 7 من أكبر البنوك فى المنطقة بمعدل 7% سنوياً منذ عام 2012.