آثار سوء الإدارة السابقة ستلاحق أداء الاقتصاد التركى لفترة طويلة
أثناء الاضطرابات التى شهدتها تركيا فى عام 2016، عندما واجه الرئيس التركى رجب طيب أردوغان محاولة انقلاب وجمع قوى سياسية جديدة، تذكر الإصلاحيون الاقتصاديون فى البلاد عهدا أفضل وتحدثوا عن عودة البلاد الوشيكة إلى سابق عهدها.
وأوضحت مجلة “ذا إيكونوميست” البريطانية، أن هؤلاء الإصلاحيين كانوا يعتقدون أن تركيا لديها مجموعة افتراضية من السياسات الناجحة، التى انحرفت عنها مؤخراً، والتى يمكن أن تعود إليها سريعاً، وبالتالى التراجع عن أى أخطاء مرتكبة بين الفترتين.
وبدلاً من ذلك، عانت البلاد من شىء أقرب إلى انهيار النظام الاقتصادى، فقد ساهم الإقراض المفرط في ارتفاع التضخم واتساع العجز في الحساب الجارى، كما تعثرت قدرة البنك المركزى التركى على استعادة النظام بسبب عداء أردوغان للسياسة النقدية التقليدية.
وانخفضت الليرة التركية بنسبة 40% مقابل الدولار الأمريكي في الأشهر الثمانية الأولى من 2018، مما شكل مفاجئة بالنسبة للعديد من الشركات التي اقترضت باليورو أو الدولار، فقد وصلت ديون الشركات المقومة بالعملات الأجنبية إلى أكثر من 35% من الناتج المحلي الإجمالي العام الماضى.
ومنذ ذلك الحين، تعثرت مئات الشركات أو تقدمت بطلب للاستعانة بـ “الكونكورداتو”، وهى اتفاقية أقرتها المحكمة لتسمح للشركات المتعثرة بإعادة هيكلة موعد استحقاق ديونها وبالتالي تجنب إعلان الإفلاس.
وأصبح النطاق الكامل للضرر أكثر وضوحا في 11 مارس الجاري، عندما أعلنت تركيا أحدث أرقام ناتجها المحلي الإجمالي التي أظهرت تقلص الاقتصاد بنسبة 3% في الربع الرابع من عام 2018 مقارنة بعام 2017، وهو انخفاضا أكثر حدة مما كان متوقعا، كما تراجع استهلاك الأسر بنسبة 9% تقريبا.
وأوضحت المجلة البريطانية، أن هذه اﻷزمة أجبرت الحكومة التركية على إعادة ضبط سياساتها الاقتصادية المتهورة.
بالإضافة إلى ذلك، لم يكن تعيين بيرات البيرق، صهر الرئيس التركي، وزيرا للمالية في يوليو الماضي يبشر بخير في البداية، ولكن الآن يبدو أن ديناميكيات العائلة تسير في صالح الاقتصاد، مما يساعد في تقبل أردوغان للحاجة إلى القيود النقدية والمالية.
ووفقاً لهذا الصدد، استطاع البنك المركزي التركي إلغاء أدواته التشددية ورفع أسعار الفائدة، كما حددت الحكومة لنفسها أهدافا مالية طموحة تتطلب خفض المعاشات التقاعدية وتأجيل الاستثمار لتضييق عجز الموازنة.
وشهدت تركيا تقلص تدفقات الائتمان بشكل حاد، وانهيار الواردات وازدهار الصادرات، كما تحول الحساب الجاري إلى تسجيل فائض لأربعة أشهر على التوالي بين شهري أغسطس ونوفمبر، حيث رحبت تركيا آنذاك بمزيد من السياح الأجانب والقليل من السلع الأجنبية، مما ساعد في إنعاش الليرة التي ارتفعت بنسبة 28% بين أغسطس ويناير الماضيين.
وتساءلت “ذا إيكونوميكست” حول الوقت الذي يحتاجه الاقتصاد لترجمة الاستقرار إلى النمو، ولكن لسوء الحظ لا يمكن إعادة ضبط الاقتصاد بسهولة كالهاتف الذكي، خاصة أن سوء الإدارة في الماضي متجذر في كافة الأمور تقريبا.
كما يتعين على البنك المركزي التركي الحفاظ على ارتفاع أسعار الفائدة لبعض الوقت لإقناع الشعب بأنه قادر على التغلب على معدلات التضخم، التي لا تزال تبلغ 20% تقريبا.
وأوضحت المجلة أن معدلات التضخم يجب أن تتراجع بشكل أكبر نهاية العام الجاري في ظل تلاشى آثار انخفاض الليرة التركية، مشيرة إلى أن الائتمان بدأ بالفعل في الانتعاش بقيادة بنوك الدولة.
وتشير بعض المؤشرات المبكرة لعام 2019 إلى بدء تراجع وتيرة الانكماش الاقتصادي، كما يعتقد بنك “بانكو بيلباو فيزكايا أرجنتاريا” أن الاقتصاد سوف يعاود النمو فى النصف الثانى من العام الجارى، مما يترك الاقتصاد ينمو بنسبة 1% أعلى خلال العام الجاري مقارنة بالعام الماضي.
ومع ذلك، لن يساعد الانتعاش الدورى فى حل الأسئلة المتعلقة بمستقبل تركيا على المدى الطويل، كما أنه من الصعب الآن القول بأن السياسات المواتية للسوق التى تبناها حزب أردوغان فى الفترة بين عامى 2002 و2011 تمثل الوضع الافتراضى للاقتصاد.
وفى نهاية المطاف، لا تعد الشعوبية والمحسوبية في السنوات الأخيرة أمراً جديداً فى تركيا، قد ظهر نوع مماثل من سوء الإدارة عدة مرات قبل الأزمة المالية في عام 2001، هذا فضلاً عن أن الوعود المتكررة بالحصول على عضوية الاتحاد الأوروبى حفزت الإصلاحات التى دامت لعقد من الزمن.