تدق فرنسا ناقوس الخطر للاقتصادات المتقدمة في العالم، إذ يستخدم الرئيس إيمانويل ماكرون، ووزير ماليته برونو لومير، رئاسة فرنسا لمجموعة الدول الصناعية السبع، ليعلنوا أن الرأسمالية الحالية تغذي عدم المساواة وتدمر الاقتصاد وغير فعالة في تحقيق الأهداف التي تخدم المصلحة العامة.
يأتى ذلك فى الوقت الذى شهدت فيه البلاد بالفعل بعض التداعيات المباشرة من حركة “السترات الصفراء” التي اندلعت منذ أواخر العام الماضي.
وذكرت وكالة أنباء “بلومبرج”، أن فرنسا مازالت تشهد حراكاً متزايداً ومتصاعداً، واحتجاجات من قبل “السترات الصفراء” التي خرجت لتجتاح الشوارع الباريسية منذ ما يزيد على خمسة أشهر، وذلك بالتحديد في كل يوم سبت من كل أسبوع.
وأوضحت الوكالة الأمريكية، أن باريس تعمل على إعادة ابتكار نظام جديد يتضمن الحد الأدنى من الضرائب العالمية، ورسوماً أعلى على عمالقة التكنولوجيا مثل “أمازون” و”فيسبوك”.
وقال لو مير، في مقابلة مع الوكالة الأمريكية أواخر الشهر الماضى: “إذا لم نخترع رأسمالية جديدة، فإن الحلول الاقتصادية السخيفة ستنتصر وسوف نندفع مباشرة إلى الركود”.
ومن الأمثلة الرئيسية على ذلك إيطاليا، حيث وصلت الحكومة الشعبوية إلى السلطة وسط اندلاع موجة من الغضب العام، دفعتها نحو التخلص من القواعد المتعلقة بالمسئولية المالية مما ساعد على دفع اقتصادها إلى الركود.
وتتضمن طموحات لومير، الذى يبلغ من العمر 49 عاماً وهو أصغر وزير مالية بين نظرائه في مجموعة الدول الصناعية السبع أيضاً مكافحة عدم المساواة في الأجور وتمكين الحكومات من التدخل في الاقتصاد وإجبار الشركات على تحمل المسؤولية الاجتماعية ومشاركة المزيد من أرباحها مع العمال.
وعن عدم المساواة في الأجور، ففي الكثير من دول الاقتصادات النامية، يبدو أن هناك كثيرين يشعرون أنهم لا يحصلون على أجر مناسب، بسبب تفاوت الأجور والتركيز على الثروات.
ورغم أن بعض تدابير عدم المساواة في الدخل قد انخفضت، أفاد صندوق النقد الدولي، بأن هذا يعكس النمو في العديد من الاقتصادات النامية.
ولا يزال الكثيرون يشعرون بأنهم لا يحصلون على حصة جيدة بسبب تفاوت الأجور وانتشار عدم المساواة بين العمال فى جميع انحاء العالم.
وتعكس دعوة وزير المالية الفرنسى إلى العلاج انتشار الذعر في الديمقراطيات الغربية حول غضب الناخبين.
وقد تأتي الخطوة التالية في انتخابات البرلمان الأوروبي المقرر انعقادها في مايو المستقبل، عندما يستعد السياسيون المتشككون في اليورو لتحقيق المزيد من المكاسب.
وقال راجورام راجان، المحافظ السابق للبنك المركزي الهندي، الذي كتب كتابًا عن “المجتمعات” وإعادة التفكير في الرأسمالية، إن الرأسمالية تؤتى ثمارها عندما يكون لدى العديد من الناس فرصة للقيام بعمل معقول في السوق.
وأضاف: “لقد أهدرنا 10 سنوات منذ الأزمة المالية لا نركز على هذه الأمور بالفعل.. ونأمل أن تؤدي سياسة التحفيز إلى رفع النمو إلى حد ما”.
وفي فرنسا، كان رد الحكومة المفاجئ على “السترات الصفراء” هو التضحية بالمال من أجل حل المشكلة. ولكن كان هناك أيضاً إدراك بأن ذلك وحده لن يوقف الغضب.
وبدأ ماكرون، حملة “المناقشة الكبرى” الوطنية التي أخذته هو ووزراءه في جميع أنحاء البلاد لسماع مخاوف الناس.
وقالت ميشالا ماركوسن، كبيرة الاقتصاديين في “سوسيتيه جنرال” إنه لا يمكن مكافحة الشعبوية السياسية، عبر إقرار إجراءات مماثلة لتلك التي سبقتها”.
وذكرت “بلومبرج” أن وزير المالية الفرنسي، أخطأ قبل عامين، حينما اقترح تطبيق النسخة الألمانية من العقود منخفضة الأجور، للذين يعملون بدوام جزئي والمعروفة باسم “الوظائف الصغيرة”، معتقداً أنها ستجلب الناس على الأقل إلى العمل وتخفض نسبة البطالة.
وقال لو مير: “إذا أردنا أن تتماسك الرأسمالية فيجب أن يكون العمل أفضل بحيث لن يتسامح العمال معها بعد الآن”.
وإلى جانب تغيير العلاقات بين العمل ورأس المال يرغب لومير، أيضًا فى إعادة التفكير في الروابط بين الدولة ورأس المال.
لكن هذا يأتي مع تناقضات، إذ يريد تقليص توسع عمالقة التكنولوجيا العالمية مع إلغاء قانون المنافسة للسماح بإنشاء أبطال أوروبيين.
وتتمثل وجهة نظر الوزير الفرنسي، فى أنه ليس هناك خيار كبير إذا كانت أوروبا لا تريد أن تعتمد على العمالقة الأمريكيين أو الصينيين.
وقال لو مير: “من أجل تمويل هذا النموذج الرأسمالي الجديد فإننا نفتقر إلى المال ومن الجيد جداً أن نقول إننا سنتمكن من تغيير الصينيين، لكني أعتقد أن الصينيين هم الذين سيغيروننا قبل كل شىء”.