يتشابه معدل النمو الثابت فى أوروبا وضعفها السياسى مع مقارنات متكررة بعقد اليابان الضائع منذ منتصف التسعينيات.
ولكن لم نصل لهذه الدرجة الكاملة حتى الوقت الحالى. ويبدو أن نوبة البؤس التى تشهدها المنطقة العام الحالى، مستمرة، من الركود الصناعى فى ألمانيا والنضال من أجل إصلاح بنوكها، وعجز إيطاليا عن الإصلاح، إلى جانب الهزيمة الواضحة لمحافظى البنوك المركزية الذين يسعون إلى فصل منطقة اليورو عن سياسة التحفيز تؤجج الشعور بالضيق المستمر.
وقالت وكالة أنباء «بلومبرج»، إنَّ اقتصاد منطقة اليورو، يشبه بطرق مختلفة اليابان قبل عقدين من الزمان. فأسعار الفائدة عند أو أقل من الصفر مع وجود جبال من الديون والقروض المتعثرة، بالإضافة إلى شيخوخة السكان.
ورغم إصرار الاقتصاديين على وجود حدود للمقارنة، فإنهم يؤكدون، أن فترة طويلة من الركود الأوروبى والانكماش وعجز البنك المركزى لا تزال تمثل تهديداً.
وأعرب آدم بوسن، رئيس معهد «بيترسون» للاقتصاد الدولى عن قلقه المتزايد بشأن نمو المنطقة، مؤكداً أن نموذج اليابان فى التسعينيات يمثل خطراً حقيقياً.
وأوضحت الوكالة الأمريكية، أن ما يسمى «العقد الضائع فى اليابان» والذى نتج عن انفجار فقاعة فى سوق الأسهم والعقارات، دفع الاقتصاد إلى النمو الضعيف أو عدم النمو على الإطلاق.
وكشفت الوكالة عن بعض العوامل التى تشير إلى أن أوروبا تسير فى نفس اتجاه اليابان فى فترة التسعينيات.
أولاً: تقلص القوى العاملة
تراجع عدد السكان المؤهلين للعمل فى منطقة اليورو، إذ يعيش الناس لفترة أطول ولديهم عدد أقل من الأطفال فى الوقت الحالى.
ومن المتوقع أن يصل إجمالى النمو السكانى إلى الذروة عام 2045 وفقاً لتنبؤات مركز الإحصاء الأوروبى «يوروستات».
ولذلك فإن المنطقة تسير على الطريق الصحيح للوصول إلى نفس المعدلات فى اليابان.
يأتى ذلك فى الوقت الذى انخفض فيه عدد سكان اليابان على مدى السنوات السبع الماضية، وأصبح واحد من كل ثلاثة أشخاص يبلغ من العمر الآن 60 عاماً أو أكثر.
وأدى الضغط السكانى فى اليابان إلى جلب مزيد من النساء وكبار السن إلى سوق العمل، الأمر الذى دفع إجمالى معدل البطالة إلى 2.3% بالقرب من أدنى مستوياته فى أكثر من عقدين من الزمان.
ومع ذلك، فإن نمو الأجور فاتر وغير كافٍ لتحفيز التضخم.
ومن ناحية أخرى، لا تزال البطالة فى منطقة اليورو عند أدنى مستوياتها قبل الأزمة، لكن أجور الموظفين بدأت فى التحسن.
ثانياً: السياسة النقدية
كافح بنك اليابان، الانكماش على مدار العقدين الماضيين. كما تذوق البنك المركزى الأوروبى، هذا النضال عام 2009 وسط ركود، وفى أعقاب أزمة الديون السيادية فى منطقة اليورو.
وفى الوقت الذى بدأت فيه مشاكل اليابان فى الظهور فجأة فى بداية التسعينيات انزلقت منطقة اليورو فى أزمة ضعف النمو.
وأشارت الوكالة إلى أن بنك اليابان كان أول بنك مركزى رئيسى يتبنى إصلاحات جذرية فى سياسته النقدية، لكنه لا يزال رهن أسعار الفائدة السلبية وشراء الأصول وتطبيق المزيد من التسهيلات.
وفى الوقت الذى يتجاهل فيه البنك المركزى الأوروبى، رفع أسعار الفائدة فإنه قد لا يكون قادراً على تبنى المزيد من الإجراءات المشابهة للبنك المركزى اليابانى، إذا تفاقم التباطؤ وقد يبقى على موقفه الحالى لفترة من الوقت.
وقال أثانوسوس أورفانديز، وهو صانع سياسة سابق للبنك المركزى الأوروبى: «من خلال رفض تخفيف السياسة بشكل مناسب، خلق بنك اليابان وضعاً أجبر البلاد على الإبقاء على معدلات فائدة قريبة من الصفر لمدة 20 عاماً».
وأضاف: «إذا نظرت إلى الأمر على هذا النحو فقد يستحيل على البنك المركزى الأوروبى، رفع أسعار الفائدة حتى عام 2020 أو 2021».
ثالثاً: توقعات التضخم
رغم أن التضخم فى منطقة اليورو قد ارتفع، فإنه لا يزال أقل من هدف البنك المركزى الأوروبى، وهو ما يقل قليلاً عن 2%.
وأعلن البنك المركزى الأوروبى، أن المخاطر التى تتوقعها الأسواق قد تعنى أن معدل التضخم ربما سيكون «منخفضاً للغاية».
رابعاً: الديون والعوائد
قالت «بلومبرج»، إن نسبة الدين إلى الناتج المحلى الإجمالى فى اليابان تجاوزت الآن 230% وترتفع مع تراكم العجز.
وفى المقابل، تفرض قواعد الاتحاد الأوروبى حدوداً مالية ستحد من هذا التراكم، إذ تبلغ نسبة ديون منطقة اليورو 89% من الناتج المحلى الإجمالى.
ومن المتوقع أن تنخفض ببطء رغم أن ضعف الاقتصاد والحاجة إلى التحفيز المالى قد يعيقان التقدم.
ومع ذلك، فإن عائدات السندات تحكى قصة تبعث على القلق.
وأصبحت تكاليف الاقتراض الألمانية تتقارب مع تكاليف الاقتراض فى اليابان.
وقال مدير الأموال فى شركة «باسيفيك» لإدارة الاستثمارات، أندرو بوسومورث: «اليابان ومنطقة اليورو ليستا مختلفتين كثيراً، ونحن نتابع تحركاتهما عن كثب».
خامساً: الهجرة
يعد سوق العمل الأكثر ديناميكية فى منطقة اليورو، وسط ارتفاع الهجرة الخارجية والداخلية تحذيراً رئيسياً لإجراء مقارنات باليابان. وكشفت البيانات الرسمية، أن إجمالى تدفقات المهاجرين بلغت ذروتها فى عام 2015، عندما تزامن الاقتصاد الأوروبى المتعافى مع عدم الاستقرار فى شمال أفريقيا والشرق الأوسط.
وساعد ذلك على تخفيف التراجع فى عدد السكان الذين هم فى سن العمل لكن فى الآونة الأخيرة، أصبح الأوروبيون مقاومين للهجرة الواسعة النطاق.
وتشير بينات «يوروستات» إلى أن التدفقات الصافية السنوية إلى منطقة اليورو ستنخفض فى العقود المقبلة.
يأتى ذلك فى الوقت الذى تضم فيه اليابان التى يبلغ عدد سكانها 126 مليون نسمة، حوالى 1.3 مليون عامل أجنبى فقط بالإضافة إلى أنها تعارض سياسة الهجرة.