تراجع كبير لمعدلات الإقراض فى فبراير بعد نمو ضعيف للديون خلال العام الماضى
رغم أن اﻷزمة المالية التى يتوقعها الكثيرون لم تحدث بعد، إلا أن التحذيرات المروعة الخاصة بمخاطر تراكم ديون الصين ظهرت منذ نحو 10 أعوام، كما أن المستثمرين لا يزالوا قلقين خاصة فى ظل نمو ثانى أكبر اقتصاد فى العالم بأضعف وتيرة له منذ عام 1990 وزيادة الضغط الناجم عن الرسوم الجمركية الأمريكية.
وقال لوجان رايت، مدير أبحاث الصين فى شركة «روديوم جروب» للأبحاث، إن معظم الدول، التى تسمح بتوسعات ائتمانية سريعة، تواجه أزمات مالية أو تباطؤ حاد فى الاقتصاد، مع ظهور مخاطر فى النظام المالى.
وأضاف رايت، مؤلف تقرير متعمق حول المخاطر المالية للصين لصالح مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية فى واشنطن، أنه تم تقديم تفسيرات كثيرة حول سبب عدم حدوث ذلك فى الصين حتى الآن، مع التركيز فى المقام الأول على عدة عوامل اقتصادية، بما فى ذلك ارتفاع معدل الإدخار القومى وانخفاض مستوى الدين الخارجى.
أوضحت صحيفة «فاينانشال تايمز» البريطانية أن الدور المهيمن الذى تلعبه المؤسسات المملوكة للدولة ساهم فى الاستقرار، حيث يمكن للحكومة أن تأمر مؤسسات الدولة المالية بتقديم الدعم للمقترضين وتفادى التعثر فى السداد الذى قد يُحدث عدوى مالية.
ومع ذلك، حذر رايت من أن هذه الأدوات قد لا تكفى إذا استمر الائتمان فى الارتفاع سريعا، موضحا أن تهديدات الاستقرار المالى فى الصين آخذة فى الظهور الآن لأن الصفقة السياسية بين بكين والأسر الصينية والمستثمرين تتغير فى ظل وجود نظام مالى كبير ومحفوف بالمخاطر ومعقد بالفعل.
وأطلقت الصين تحفيزات نقدية ومالية لم يسبق لها مثيل استجابة للأزمة المالية العالمية فى عام 2008، وفى اﻷعوام التالية بدت البلاد وكأنها فى وضع تحفيزى دائم، وأصبح النمو الائتمانى السريع هو الوضع الطبيعى الذى يتوقف فقط عن طريق دورات تشديد قصيرة ومعتدلة.
وأشارت الصحيفة إلى أن كثير من هذه الديون- رغم عدم معرفة حجمها الحقيقى- استخدمت لتمويل مشاريع لا تولد تدفقات نقدية كافية لتغطية مدفوعات الفائدة، ناهيك عن رأس المال
ومع ذلك، يبدو أن عام 2017 يمثل استراحة حاسمة من إدمان الصين للديون.
ولسنوات، كان واضعو السياسات يدعمون بشكل غير فعال تحذيرات الهيئات العالمية، مثل صندوق النقد الدولى وبنك التسويات الدولية، بينما يقومون فقط بتعديل السياسة، ولكن فى بداية عام 2017، أطلقت هيئة الرقابة المصرفية الصينية ما عُرف باسم «الرياح التنظيمية» التى تستهدف الهندسة المالية المعقدة وغير الشفافة المصممة للتهرب من القيود المفروضة على الإقراض.
وفى أكتوبر 2017، بدأ الرئيس الصينى شى جين بينج فترته الثانية كرئيس للحزب الشيوعى، بدعوة إلى عهد جديد، تُمنح فيه الأولوية لجودة النمو على الكمية، أما فى ديسمبر 2017، اقترحت مجموعة من الوكالات التنظيمية، بقيادة البنك المركزى الصينى، قواعد بارزة حول نظام الظل المصرفى، الذى كان يعد مساهما حاسما فى الزيادة الإجمالية بالديون.
وأشارت هذه الشعارات والسياسات إلى أن الرئيس الصينى كان على استعداد لقبول النمو البطئ للناتج المحلى الإجمالى كتكلفة للاستدامة المالية والاجتماعية والبيئية، ثم جاءت أعراض الانسحاب عن هذه الاستعدادت.
بعد البداية القوية المسجلة فى عام 2018، تباطأ اقتصاد الصين بحدة فى النصف الثانى من العام، حيث حرمت الإجراءات الصارمة المفروضة على الديون المقترضين الأضعف من الحصول على التمويل، كما جاءت الحرب التجارية الأمريكية التى ضربت الثقة فى الأعمال والرغبة فى الإنفاق الرأسمالى.
وبحلول صيف 2018، كان صناع السياسة يعكسون مسارهم، حيث بدأوا جولة جديدة من التيسير النقدى والمالى.
وكان البنوك والمستثمرون فى السندات والمقرضون الآخرون بطيئون فى البداية فى الاستجابة لنداء الحكومة بزيادة تدفقات الائتمان، ولكن الوضع تغير فى يناير عندما سجل الائتمان الشهرى الجديد، بما فى ذلك قروض البنوك التجارية والسندات والإقراض غير المصرفى، مستوى قياسى.
وفى نهاية فبراير الماضى، قدم وانج تشاو شينج، نائب رئيس لجنة تنظيم البنوك والتأمين الصينية، دليلا آخر على أن تركيز بكين قد تحول من السيطرة على الديون إلى دعم النمو.
وقال شينج، فى مؤتمر صحفى: «خلال عامين من العمل الشاق، تمت السيطرة على المخاطر المالية الإجمالية بشكل فعال»، ليبدو بذلك وكأنه يعلن الانتصار فى حملة خفض الاستدانة التى دامت لعامين.
ولكن لم يشارك الجميع وجهة النظر تلك، فقد آثار رئيس مجلس الدولة الصينى لى كه تشيانج مخاوف بشأن ارتفاع الائتمان الشهر الماضى، وتعهد بعدم العودة إلى مستويات التخفيف النقدى الكبيرة.
وأشار بنك الشعب الصينى، فى بيان بدا وكأنه استجابة مباشرة لنقد تشيانج، إلى أن الإقراض المصرفى بالصين موسمى إلى حد كبير، حيث يعتبر شهر يناير دائما هو الشهر الأكبر الذى يستفيد فيه المقرضون من حصص القروض السنوية الجديدة المقدمة من الحكومة.
وكشفت البيانات تراجع معدلات الإقراض فى فبراير الماضى بشكل كبير، مما وضع الصين على وتيرة التحفيز النقدى المعتدل فى عام 2019.
وأشارت أليسيا جارسيا هيريرو، كبيرة الاقتصاديين فى منطقة آسيا والمحيط الهادئ فى بنك الاستثمار «ناتيكسيس»، إلى ارتفاع نسبة الدين إلى الناتج المحلى الإجمالى فى الصين بنسبة %2 فقط العام الماضى لتصل إلى %248، متوقعة بقاء وتيرة النمو عند مستوى منخفض بكثير من جولات التحفيز السابقة خلال العام الجارى.
وقالت إن عام 2018 كان عام تخفيض السلطات الصينية للديون، على الأقل خلال النصف الأول من العام، مشيرة إلى أن سياسات عام 2019 تبشر بالخير بالنسبة للنمو حتى الآن، ولكن من الواضح أنها تشير إلى تسارع ديون الاقتصاد الحقيقى.